فى بدء ارتفاعات الأسعار الحالية، كان الرئيس قد اجتمع مع وزير التموين، وطلب طرح كميات من السلع فى الأسواق، وقد حدث هذا فعلاً فى وقته، وكان قبل نحو شهرين من الآن، لولا أنه لم تكن له أى نتيجة، بدليل أن الرئيس عاد خلال خطابه الأخير، يوم الأحد، إلى الموضوع مرة أخرى!
ولم تكن هناك أى نتيجة، ليس لأن السلع، التى طلب الرئيس طرحها، لم يتم طرحها، ولا لأن أسعارها لم تكن أقل من السعر الذى يكتوى به الناس، وإنما لأنه ليس هكذا أبداً تحارب أى دولة ارتفاعات الأسعار على أرضها.. إذ العقل يقول إن عليك، كدولة، أن تتعامل مع الحلقة الوسطى، بين المنتج للسلعة، وبين مستهلكها، فهذه الحلقة بالضبط هى التى يتاجر أصحابها بأقوات المصريين، وليس هناك عقل يقول إنك، كدولة، سوف تترك الذين يتاجرون بأقوات المواطنين يتاجرون بها كما هم، ثم تطرح أنت سلعاً بديلة فى الأسواق.. وكأنك تبارك ما يفعلون!.. لا يوجد عقل سليم يقول بهذا أبداً، ولأن الأمر كذلك، فإن ما سعى إليه الرئيس، حين اجتماعه مع وزير التموين، لم يتحقق منه شىء.. أى شىء!
ولو أن الدولة تعاملت مع أصل المشكلة، وليس مع ظاهرها، فسوف تكتشف أن السلعة تباع من عند منتجها، بجنيه، مثلاً، وتصل إلى المستهلك بستة جنيهات على الأقل، وأن المشكلة هى هنا بالضبط، وليست فى أى مكان آخر!
أما المشكلة الأكبر، فهى أن الرئيس عندما عاد للمسألة، فى خطابه الأخير، فإنه عاد إليها بخطأ مضاعف!
وكان الخطأ مضاعفاً حين قال إن الجيش سوف يتدخل آخر الشهر، مع الدولة، لضبط الأسعار وإعادتها إلى صوابها فكلمة «الدولة» تظل مُسمى عائماً، ولا حدود واضحة فيه، وبالتالى فما فهمه الناس أن الجيش سوف تقع عليه وحده هذه المهمة الثقيلة!
والحقيقة أنى أشفق على جيشنا العظيم من المهام المدنية تحديداً، التى يضعها الرئيس فوق كتفيه يوماً بعد آخر.. صحيح أنه جيش قدها وقدود، ولكن الأمور المدنية، يا سيادة الرئيس، لها ناسها فى الدولة، ولها أجهزتها، ولها وزاراتها، وإذا كانت كل هذه الأجهزة والوزارات المعنية غير قادرة على ضبط الأسعار، وعاجزة عن القيام بمهامها، فتسريحها أفضل، وعندئذ سوف لا يكون أمامنا غير الجيش، باعتباره حائط الصد الأخير.. أما أن تكون الأجهزة موجودة، وقائمة، وفاسدة، ثم نتركها على فسادها فنتجنبها، ونبحث عن غيرها، ليقوم بما يجب أن تقوم به هى، لا غيرها، فهذا ظلم للجيش لا نرضاه، أولاً، ثم إنه إقرار ثانياً بأننا عاجزون عن فعل شىء أمام الفساد القائم، وأننا ندور حوله، ولا نقتحمه، وأن كل ما نرجوه منه أن يتركنا فى حالنا، وهو لن يفعل ذلك طبعاً، وإنما سوف يظل يتوسع وينتشر، ما لم يواجه يداً رادعة!
وهذه اليد، هى يد الرئيس، التى لا تبدو رادعة حتى الآن فى مواجهة الذين يبيعون فى المواطن ويشترون!