قال المذيع: «معركة انتخابية»، واستنكرتُ التعبيرَ. فاستنكرَ استنكارى. واستنكرتُ استنكارَه لاستنكارى.
لماذا يُنذروننا فى وسائل الإعلام بويلات «المعركة» الانتخابية؟ لماذا معركة؟! لماذا يتصارعون على مقاعد البرلمان؟ المنطقى أن يهرب الناسُ من مسؤوليات شاقّة فى دولة مثقلة بالفقر والمرض والأميّة والفساد. الأصلُ أن «فردًا» باسلاً «يتطوّع» من أجل «الجمع»، لاسترداد حقوقهم. فهل «يُقاتِل» شخصٌ لكى يشقى؟! المفترض أن يناشد الناسُ هذا الباسل، حتى يقتصَّ من وقته وجهده وأعصابه، فيكون الصوتَ الذى يسعى لحلَّ مشاكلهم. لماذا يتقاتل المرشحون ويشوهون بعضهم البعض، وينفقون الأموال الطائلة لشراء أصوات الناخبين؟ لا بد أن فى الأمر «إنَّ»! فالأموال التى يُنفقها مرشحٌ دليلٌ على نيته استرداد أضعاف ما أنفق بمجرد جلوسه على الكرسى. فمتى وكيف، بل ولماذا يأتى بحقوق الفقراء، بينما هو يتمنى دوام فقرهم لكى يشترى أصواتهم فى الدورات المقبلة؟!
اسألْ نفسك كما سألتُ نفسى: لماذا يتناحر الناسُ على التعب ووجع القلب؟ لماذا يدفعُ مُرشّحٌ برلمانى مالاً ضخمًا، ثم يتعارك حتى يصل إلى مقعد، سيقدّم من خلاله خدمات لوطنه بمراقبة الحكومة وضبط التشريع وحل مشاكل المواطنين؟! هل يُقاتل الإنسانُ من أجل أن ينالَ إنسانٌ آخر مغانمَ ومكاسبَ وحقوقًا؟ لو أرجعنا الأمور إلى أصولها وجرّدناها من المعرفة والخبرات، سوف نقول إن المواطنين هم الذين عليهم أن يتعاركوا من أجل أن ينال هذا المرشّحُ الشريف، أو ذاك مقعدًا فى البرلمان، ليكون صوتهم الجسور أمام الحكومة! لكن المعرفة والخبرات تعلّمنا شيئًا آخر. للأسف. المرشحون يَعِدون الناخبين بالرغد والغد المشرق، ثم لا يلبثون أن ينسوا وعودَهم بمجرد الاسترخاء على الكرسى! ينسون الفقراء فى فقرهم، والمرضى فى مرضهم، والمُجهّلين فى جهلهم، والمظلومين فى قبضة ظالميهم!
أحبُّ أن أعيد الأمورَ إلى صورتها المجرّدة الأولى لكى أستوعبها. أقشّرُ عنها التراكمات والخبرات التى قد تشوّه معناها الأولىّ. لهذا أؤمن أنَّ مَن يشترى صوتَك بزجاجة زيت أو بمائة جنيه وكيلو لحم أو بعقد شقة، سوف يحرص كلَّ الحرص، بعدما يدخل البرلمان، على أن تظلَّ فقيرًا مُعوزًا، لكى يشترى صوتك مرّةً بعد مرّة. بديهةٌ.
سأحكى لأطفالى وأطفال أطفالى ما أفخر به فى تجربتى الماضية بالترشّح لمجلس الشورى أيام حكم الإخوان الضال. لم أصرف «جنيهًا» على دعايا ولم أعلّق بوسترًا واحدًا ولا هنأتُ المواطنين على يفط القماش بالمولد النبوى وعيد الجلاء وانتصار أكتوبر على عادة ما يفعل المرشحون بفجاجة مضحكة. لم أقطع الشوارع والميادين أقدّم الهدايا وأقبّل الأطفال وأنثرُ الوعود للناخبين بالرغد والرفاه والخير الوفير لو منحونى أصواتهم. ولما ذهبتُ مع صديقتى، يوم الانتخابات، إلى مدرسة «هدى شعراوى»، بالتجمع الأول حيث أضع صوتى، علّمتُ على قائمة الكتلة المصرية، ولم أضع علامة أمام اسمى فى المقعد الفردى. ولما اندهشتْ صديقتى مما فعلتُ، قلتُ لها باستنكار: هل ينتخبُ الإنسانُ نفسَه؟! يا للسخف! ووصلتُ للإعادة أمام مرشح الإخوان بالرغم من كل ما سبق ورغمًا عن سيوف التشويه الكذوب التى طعننى بها الإخوان والمتطرفون ولجانهم الإلكترونية الضالة فى فيس بوك وتويتر. ونجح المنافس الإخوانى بفارق أصوات ضئيل بسبب حشد حزب النور ضدى وتأليب الرأى العام على جراء معاركى الفكرية الطويلة ضد تدليسهم وأكاذيبهم منذ عام ٢٠٠٥. وبعد الانتخابات كنتُ أصادف فى كل مكان مَن يقول لى: أعطيتك صوتى، خسارة أنك لم تنجح! وكنتُ أبتسمُ قائلة: بل نجحتُ. نجحتُ فى إثبات فكرتى أن الفلوس لا تأتى بالمقاعد الشريفة، بل الصدق.
اليوم أعيدُ التجربةَ، وما زالت قناعاتى هى هى لم تتبدل. مَن يتهافت على مقعد فى البرلمان، لا تصدقوا أنه سيأتى بحقوقكم.
Twitter: @FatimaNaoot