قد لا ينتهى العام الحالى إلا وقد أبرمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى اتفاقا للتجارة الحرة يتضمن مبدئيا إلغاء التعريفات على 97 % من البضائع المتبادلة عبر المحيط الأطلسى وإزالة معظم العوائق أمام الاستثمارات، وستكون له تداعياته الاقتصادية والسياسية على مصر والمنطقة والعالم.
فى الوقت نفسه تعمل أمريكا بأقصى طاقة لتوقيع اتفاق تجارة حرة مع دول فى آسيا والباسفيكى يضم كمثال اليابان والفلبين وفيتنام وماليزيا مع كندا والمكسيك، وتستثنى منه الصين، والمعنى واضح فأمريكا عجزها التجارى مع الصين كبير، ولا تريد أن تفاقمه، كما أنها تريد الاتفاق سلاحا لكبح التمدد الصينى. الصين بدورها تسابق الزمن لإبرام اتفاقيات تجارة حرة آسيوية- بالمحيط الهادى- ولا تستثنى منها الولايات المتحدة والمعنى واضح أيضا، فالصين لها فائض مع أمريكا، ولن يضيرها دخولها، بيد أنها تستخدم أوراقا أخرى لكبح التمدد الأمريكى، منها الدخول فى تجمع (بريكس) وإنشاء بنك البنية التحتية وقرب إطلاق اليوان كعملة تسوية دولية منافسا للدولار... إلخ.
لا أريد أن أقول إننا نهزل، بينما العالم يموج بالتغيرات العاصفة، فهزلنا أصبح (كالميزة النسبية أو التنافسية)؟ لكن أشير إلى عدة عبر، لعل أحدا يلقى السمع إليها، ومنها:
- تهدد فرنسا بحق الفيتو ضد اتفاق أوروبا/ أمريكا حال تضمن إلغاء الحماية على مواد الهوية (صناعة السينما والإعلام الرقمى) حماية لثقافة فرنسا من زحف هيوليوود، أى أنه لا تجارة حرة فى المطلق.
- اتفاقيات التجارة الحرة الجارية هى إعلان وفاة نهائية لجولة الدوحة الخاصة بتحرير التجارة العالمية، يعنى لن تعود هناك فرصة لتحرير شامل يتضمن الحد الأدنى من التوافق الدولى. الآن الكبار يتفاهمون والبساريا تواجه مصيرها.
- داخل كتل الاتفاقيات نفسها فإن الفوائد لن تكون واحدة، فدول أوروبا المازومة (كاليونان وإسبانيا) ستخسر أكثر، وستربح ألمانيا وهولندا والسويد أكثر.
- لم يحدث أن كان اتفاق تجارة حرة بين بلدين/ كتلتين كبار- عملا اقتصاديا بحتا، ونتيجة اتفاق أوروبا/ أمريكا هى تحقيق قدر من الانتعاش للاقتصاد الأوروبى الذى فشلت القارة الكسيحة الهمة وساستها فى إيجاد مخرج منه، لأنه سيزيد بنحو 85 مليار دولار إضافية (ستربح أمريكا ولكن أقل) لكن النتيجة هى رهن الإرادة السياسية لأوروبا بالكامل للولايات المتحدة، يعنى أوربا التابعة ستصبح (كاتعة).
- إن معايير حماية المستهلك الأرووبية المتشددة فى مجال الأغذية والزراعات المهندسة وراثيا والأدوية واختبارات السيارات سيتم التضحية بجانب منها رغم أن المجتمع المدنى يناضل لوقف الأمر إلا أن القاطرة ستمضى فى تقديرى، فأوروبا الرسمية لم يعد لديها طاقة لـ«تقاوح».
- أعلن مؤسس ويكيليكس رصد 200 ألف دولار مكافأة للحصول على اتفاق أوروبا/ أمريكا بأى طريقة لإعلانه للأوربيين ليناقشوه، إلا أن أحدا لم يقرأه للآن، وكان وزير المالية اليونانى السابق أول المتبرعين.
قد لا يكون مؤسس ويكيليكس بريئا بشكل كاف، لكن المهمة تستحق التأييد، لأن الاتفاق سيتضمن بالتاكيد مواد تعارض بشكل صارخ مبادئ التجارة الدولية الحرة، كما تراها الأمم المتحدة وحتى الجات. بالمناسبة فقد تنبه التمثيل التجارى المصرى منذ بداية العام، وقدم دراسة وافية عن الملف إلى المهندس محلب- رئيس الحكومة وقتها- وعليها تم اتخاذ إجراءات لتوصيل صوت مصر كصاحبة اتفاق تجارة حرة مع أوروبا إلى الطرفين، والأمل ألا نتأخر لأن النتائج قد تظهر بين لحظة وأخرى، وبعدها سيكون التعديل بالغ الصعوبة. مصر تدرس أيضا نتائج الاتفاق على دول عربية لها اتفاقيات مع أوروبا وأمريكا أو هما معا كالأردن.
- لا طريق أمام مصر وغيرها سوى الإنتاج بمعايير دولية للسوق المحلية (التصدير للداخل ما دام كله بيحرر التجارة وصعب تصدر لهم) والمناورة مع أطراف لها مصلحة بعقد اتفاقيات تجارة واستثمار وتنمية تقوم على أسس مختلفة، أولها الندية والاستدامة.
للحديث ألف بقية.. فهل سنكمل؟
مصباح قطب
[email protected]