x

طارق عباس مصر ليست للمهرجين طارق عباس الجمعة 30-10-2015 22:05


كثيرا ما أفكر فى الطريقة التى تدار بها مصر وأسأل نفسى: هل تدار بالعلم أم بالبركة؟ وهل الشخصيات التى تختار لإدارتها تأتى وفق معايير أم بمنطق القريب من العين قريب من القلب؟ وإلى أى مدى- فى ظل السياسة المتبعة منذ ثورة يوليو إلى اليوم- استفاد المصريون من وعود وتصريحات وقرارات وخطط الحكومات المتتابعة؟ وعلى أى أساس كان يستبدل وزير مكان وزير وتأتى حكومة بعد حكومة؟ ولماذا يكون المواطن المصرى دائما هو آخر من يعلم؟ أسئلة كثيرة استولت على رأسى فى ظل التخبط الحاصل، لم أستطع وضع إجابات محددة لها بسبب تناقضات تحكم الواقع السياسى ومصالح أسهمت فى تغييب الحقائق، وخطط غائبة أغرقت البلاد فى بحور العشوائية، واختيار لقيادات واستبعاد لأخرى دون أن يعرف أحد لماذا أتى هذا وذهب ذاك؟ وما هو الفرق فى الكفاءة بين زيد وعبيد؟. عبر رحلة حياتى كنت- بحسب أرقام الحكومات- «مواطن لوكس وعال العال»، يأكل أحسن أكل ويشرب مياها معدنية ويتنفس هواء بطعم شرم الشيخ، لكن من واقع رؤيتى لنفسى ومن حولى فقد كنا كالطرشان فى الزفة، نشاهد وممنوعين من المشاركة، نتعرض لقوانين وتشريعات تنسفنا بزعم أنها تنصفنا، نهتف عاش الملك مات الملك، جاء الرئيس ذهب الرئيس، نتعلم كذبا ونعلم كذبا، مما لا أنساه أبدا أنهم قالوا لنا أيام عبدالناصر إنه صاحب الثورة ومفجرها ثم علمونا أيام السادات أنه أول من ألقى بيان الثورة، وبعد قرار السادات العظيم بخوض حرب أكتوبر أخبرونا عندما أمسك مبارك زمام السلطة أن مبارك هو صاحب الضربة الجوية وكأنه صاحب الانتصار، وقد تصورت مثل كثيرين من السذج أمثالى بعد هبوب ثورة يناير 2011 أن الدنيا سوف تتغير وأننا وأصحاب القرار سنكون شركاء فى صنع مصير هذا البلد، لكن المحير أنه لم نعرف من هم أصحاب القرار؟ ولصالح من يعملون؟ فعصام شرف عندما شكل حكومته استعان بمعظم وزراء شفيق من رجال الحزب الوطنى، وهو نفس ما فعله الجنزورى مع حكومة شرف، وقنديل مع حكومة الجنزورى والببلاوى مع حكومة قنديل ومحلب مع حكومة الببلاوى وشريف إسماعيل مع حكومة محلب على طريقة «شالوا ألضو جابوا شاهين»، وقس على ذلك نوعية المحافظين الذين يظهرون لنا فجأة من الغرف المغلقة ويطلب منا هضمهم، علما بأنهم يصيبون أجدعها بطن بالمغص، خاصة أن غالبية هؤلاء لا يفعلون شيئا تقريبا سوى الحصول على المنصب والفوز بمزايا المنصب ثم النزول إلى الشارع بزعم مقابلة الجماهير وحل مشكلاتهم لتنشر لهم الصور وتجرى معهم الحوارات وتكتب فيهم قصائد المديح وفجأة يقدمون استقالاتهم ويتحولون لأهداف تصوب لها أسهم النقد والتشويه والتلفيق.

كان يقال لنا إن رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب «رجل المهام الصعبة»، يذهب لمكتبه فى السابعة صباحا ثم يظل فى الشارع طيلة اليوم لمقابلة الجماهير وحل مشاكلهم، وفجأة وبعد اتهام وزير الزراعة السابق «دكتور صلاح هلال» فى قضايا فساد وإلقاء القبض عليه يقدم إبراهيم محلب استقالته، ليبدأ الناس فى ضرب الأخماس فى الأسداس وإذا بالرجل الذى كان بالأمس ملء الأسماع والأبصار يذهب فجأة ولم يعد، فلماذا ذهب؟ وهل هناك علاقة بين استقالته وإقالة وزير الزراعة؟ وهل جزاء محلب بعد 17 شهرا من توليه منصبه أن يرحل دون تمهيد لإعداد مشهد الرحيل بطريقة تتناسب مع ما كان يقال عن الرجل؟ نفس الأمر تكرر مع محافظ البنك المركزى «هشام رامز» والذى قدم هو الآخر استقالته قبل نهاية مدته بحوالى شهر تقريبا، ولا يعرف أحد هل قدمها طائعا أم مجبرا؟ هل قدمها باعتباره مسؤولا عن انخفاض قيمة الجنيه المصرى 20 قرشا مقابل الدولار خلال عشرة أيام؟ وإذا كان قد قدمها بوصفه المسؤول عن هذا الانخفاض، فهل يتحمل وحده المسؤولية؟

إن السياسات المبنية على عدم الشفافية والتعامل مع المصريين بوصفهم متفرجين لا مشاركين، ومجرد رعايا ليس من حقهم التدخل فيما لا يعنيهم، كلها تسببت فى إفساد مناخ العلاقة بين الحكام والمحكومين وتحول مصر لأكبر حقل للحيرة والبلبلة والشائعات وإصابة الناس بالسلبية والتبلد وقلة الانتماء، وليس من الإنصاف وبعد ثورتين التعامل مع مصر دون إفادتها واستفادتنا من أخطاء الماضى الكارثية، وليس من الإنصاف إدارتها على طريقة «ياما فى الجراب يا حاوى» وكأنها سرك كبير لا يعمل فيه سوى السحرة والمهرجين.

«مصر للمصريين» شعار رفعه أحمد لطفى السيد منذ قرن، وأضيف إليه الآن أن مصر ليست للمهرجين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية