x

عمرو صلاح خدعوك فقالوا «مصر تنتخب» عمرو صلاح الخميس 29-10-2015 21:37


بالرغم من اللجنة العليا، وتغطية البرامج، وصورة المرأة العجوز المنكفئة على الصندوق، والجندى الواقف متيقظا أمام اللجنة وبانرات الدعاية فى الشوارع، يظل ما يحدث بعيدا كل البعد عن أن يوصف بأنه انتخابات، أو قل- إن أردت الانصاف- هو القليل منها باستثناء نادر فى دوائر لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لشرفاء مُصرين على الحركة أيا كانت الظروف التى تجبرهم على السكون فى وقت آثر فيه الكثيرون السلامة أو يئسوا من العملية قصرا فى النفس أو نقصا فى الطاقة أو حتى ترفعا.

الوصف الدقيق لما حدث حتى الآن أننا أمام مجموعة إجراءات تفضى إلى إدخال أنصار الحكم إلى البرلمان، أو من يدعون أنهم أنصاره وإن كانوا هم أول من سيغرقونه، وهذا برضاه ووعى كامل منه، فهو بالطبع ليس مغررا به أو مضحوكا عليه. أما عن نزع صفة الانتخاب أو الديمقراطية عما يحدث فهو منطقيا بمجموعة من الدلائل:

أولا: إنها عملية حتى الآن بلا ناخبين. أى انتخابات من المفترض أن هناك جمهورا يقدم أصواته لمن يمثله أو ينوب عنه فى عملية التشريع والرقابة، والواقع وما كشفته الأرقام الأولية داخل الدوائر، أنه لم يكن سوى قلة من هؤلاء، وهو ما يعنى أن النائب سيدخل البرلمان ببضعة الآلاف من الأصوات، كما كان يحدث قبل يناير 2011، ولك بالطبع أن تدرك نوعية النائب الناتج عن عملية شكلية مثل تلك..

طبعا سيقسمون لك، لفا ودورانا بالعكس، وإن اعترفوا سيروون لك أسبابا كثيرة ومبررات أكثر، بعضها منطقى وإن كذب بداية من فشل الأحزاب (المجنى عليها) وبعضها مضحك وإن صدق انتهاء بحرارة أسوان ووحل الإسكندرية! وما بينهم فهناك الاتهامات المستدعاة من فوق الرفوف للنخبة والدستور، ووعى الناس. وإغفال متعمد للمسؤولية الكاملة لمن وضعنا فى هذا المسار ويصر عليه بعند واستكبار بلا وقت حتى أن ينظر إلى الماضى ليتعلم منه أو يسترشد به.

ثانيا: هى عملية- وباستثناءات محدودة- بلا مرشحين. المفترض أن أى انتخابات هى عملية اختيار، وأن أى اختيار يقتضى وجود ما يختار من بينه الناس، لكن حينما تكون أغلب الاختيارات متطابقة، لأن صك السماح وبوابة مرور المرشح من البداية- كى يكون محميا من التشويه والإساءة- أن يكون من أنصار الحكم، ليس بالقول بل بالفعل الواضح غير القابل للتأويل والمتحقق بالسير على مسطرة الدولة دون خلاف هامشى حتى، فلتعلم مسبقا أنه ليس هناك ما تختاره. هناك باختصار من ينافس نفسه ولا شىء آخر، وللأسف دون حتى جهد أو عقل سياسى يختار به أنصاره أو من يمثله.

ثالثا: أى انتخابات تقتضى أن يكون هناك قانون، أو قواعد تحيط باللعبة، لكن ما يحدث فى مصر ومنذ عامين تقريبا، أن مصر عادت مهرولة إلى اللاقانون، ليس هناك من يراقب أو يحاسب. من الممكن أن تتحول غدا إلى تاجر مخدرات، أو قاتل، أو عضو فى عصابة أو عميل للسى آى إيه، وهنا الأمر لا يقتضى أكثر من أن يتفق على ذلك مجموعة من مخبرى الصحافة والإعلام ويقرونه عبر شاشاتهم أو فى سطورهم، هنا لن يكترث أحد ببراءتك، أو رد ما فقدته. هذا الواقع الذى امتد ليحيط بتلك العملية التى نتابعها أدى إلى أن ينأى وينفذ الشرفاء بجلدهم بعيدا، أو يخوضوا نضالاً فى المجهول يصيبهم الإساءة والتشويه الافتراءات. وكل ومدى شجاعته.

رابعا: ليست هناك سياسة يتناقش حولها الناس أو يقيمون وفقا لها، كل ما هو موجود هراء يملأ ما تبقى من المجال العام، ليس لأن شعبنا جاهل بالفطرة أو ضعيف الإدراك أو تائه أو غير قادر على التمييز أو النقاش كما يدعون، لكن باختصار لأن السياسة قد جرى تأميمها والأحزاب تم قتلها بمباركة شعبية.. ثم يقولون لك أين الأحزاب!

خامسا: ليس هناك انتخابات بلا ثقة فى العملية السياسية. أى انتخابات تفترض أن تكون هناك ثقة فى جدواها، أو أنها تفضى إلى شىء ما غير ابتزاز المشاعر والتلاعب بها. هذا الشرط الذى يطلبه البشر فى كل علاقة تعاقدية، بداية من علاقة الصداقة انتهاء بعلاقة السياسة، والثقة تأتى بتراكم أسباب الثقة فى العملية، التى لم يظهر منها أى شىء حتى الآن، بل قل لم يظهر منها سوى العكس، مثلما كان الدستور الذى صوت عليه الناخبون أعظم دستور فى العالم ثم تحول إلى نصوص لا تصلح حتى للائحة تنفيذية!

المعادلة إذن ليست عصية على الفهم، ولا تقتضى لفا أو دورانا، الناخب (الطلب) والمرشح (العرض) والقانون (العقد) والسياسة (المعيار) كلها أمور غائبة، فلا شىء يحدث سوى وهم يشوبه بعض الانتخابات.

لكن لندع المرحلة التالية تخبرنا الجزء الثانى من القصة، وإلى أن يحدث هذا فهناك أمور يجب أن يضعها المسؤول عن هذا المأزق فى اعتباره.

أولًا: لا فرق بين تزوير أصوات الناخبين ووضع عملية ومسار محكوم يفضى إلى نتيجة محسومة سلفا (الفرق هنا شكلى). ثانيا: الديمقراطية والانتخابات كمفهوم شامل هما السبيل الوحيد الذى ابتكرته البشرية حتى اليوم- حتى وإن لم تحبه أو رأيته مستوردا- إلى التعبير عن مصالح الناس فى المجتمعات، وحالما يغلق هذا الطريق، أو يتحول إلى طريق بلا جدوى يبحث الناس عن طرق أخرى بديلة نتائجها قد تكون غير مضمونة. ثالثاً: قد يكون المسؤول الأكبر غير محبذ لإيجاد طريق داخل مؤسسته لصنع القرار، بالطبع هذا مكروه ومضر لكن يظل مفهوما، ثمة غيرة أو تسلط أو خوف من المنافسة أيا كان، ليس هذا موضوعنا اليوم! لكن الأخطر من كل هذا هو ألا تقوم آلية الحكم على وجود «نظام سياسى»، هذا هو الخراب بعينه.. وهذا ما سيكون نتيجة ما يصفونه مبالغة أو كذباً بأن «مصر تنتخب».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية