x

خالد منتصر ما أنت أعمَى إنما نحن جوقةُ العمْيان خالد منتصر الأربعاء 28-10-2015 21:22


ما أحوجنا اليوم إلى طه حسين جديد، بل ما أحوجنا إلى ألف طه حسين ليبذر بذور التنوير فى أرضنا الفكرية القاحلة المجدبة، يكفى أن أحداث حرب أكتوبر غطت على وفاة فولتير مصر وكأنه اختار يوم الهول يوم وداع مثلما حدث للمنفلوطى الذى مات يوم إطلاق الرصاص على سعد زغلول فمشى فى جنازته خمسة أفراد، لا نريد أن يستمر نفس التجاهل والنسيان فى ذكراه بعد 42 سنة، طه حسين لعنته كتب التطرف وحاربته كتائب الخفافيش لأنه أعلى من شأن العقل، استعار مناهج البحث التاريخية التى تنقب وتحلل وتتعامل مع التاريخ بعقل بارد لا بانبهار مرتعش، منهج ينحى جانباً التهويمات والخرافات، لا يثبت صدق الواقعة التاريخية من خلال مكانة قائلها أو قدمها الزمنى، لا يثبت صدقها إلا بعد وضعها على طاولة التشريح التاريخى ودخولها معمل البحث العلمى الصحيح، ولكى تعرفوا بعد نظر هذا المفكر الجبار تعالوا نقرأ ما كتبه فى كتابه «من بعيد» وهو ينتقد موقف رجال الدين من دستور 23 وفهمهم لمادة «الإسلام دين الدولة» وكأنه يتحدث الآن، يقول طه حسين: «الشيوخ فهموا هذا النص فهماً آخر أو قل إنهم فهموه كما فهمه غيرهم ولكنهم تكلفوا أن يُظهروا أنهم يفهمونه فهماً آخر واتخذوه تكأة وتعلة يعتمدون عليها فى تحقيق ضروب من المطامع والأغراض السياسية وغير السياسية، فهموا أن الإسلام دين الدولة، أى أن الدولة يجب أن تكون دولة إسلامية بالمعنى القديم حقاً، أى أن الدولة يجب أن تتكلف واجبات ما كانت لتتكلفها من قبل.. فكتبوا يطلبون ألا يصدر الدستور لأن المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله، وذهب بعضهم إلى أن طلب إلى لجنة الدستور أن تنص أن المسلم لا يكلف القيام بالواجبات الوطنية إذا كانت هذه الواجبات معارضة للإسلام، وفسروا ذلك بأن المسلم يجب أن يكون فى حل من رفض الخدمة العسكرية حين يكلَّف الوقوف فى وجه أمة مسلمة كالأمة التركية مثلاً»!!

أما كيف استغل الشيوخ هذه المادة بعد صدورها حسب فهمهم الخاص فى كتاب الإسلام وأصول الحكم وكتاب الشعر الجاهلى، يقول طه حسين: «إليك نظرية الشيوخ فى استغلال هذا النص الذى ما كان يفكر واحد من أعضاء لجنة الدستور فى أنه سيُستغل وسيخلق فى مصر حزباً خطراً على الحرية بل على الحياة السياسية فى مصر كلها، يقول الشيوخ إن الدستور قد نص أن الإسلام دين الدولة، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور حماية الإسلام من كل ما يمسه أو يعرضه للخطر، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تضرب على أيدى الملحدين.. ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة أن تمحو حرية الرأى محواً فى كل ما من شأنه أن يمس الإسلام من قريب أو بعيد، ومعنى ذلك أن الدولة مكلفة بحكم الدستور أن تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأياً أو ألف كتاباً أو نشر فصلاً أو اتخذ زياً، ورأى الشيوخ فى هذا كله مخالفة للدين ونبهوا الحكومة إلى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أن تسمع لهم وتعاقب من يخالف الدين بالطرد ثم القضاء ثم إعدام جسم الجريمة»، ويخلص طه حسين إلى نتيجة أنه قد «تكوّن فى مصر حزب رجعى يناهض الحرية والرقى ويتخذ الدين ورجال الدين تكأة يعتمد عليها فى الوصول إلى هذه الغاية».

المقال كبير وثرى بالأفكار ويحتاج إلى قراءة متمعنة.. وفى النهاية أقول لطه حسين ما قاله نزار قبانى «أيّها الأزْهَـرِى... يا سارقَ النّار ويـا كاسـراً حـدودَ الثـوانـى.. عُـدْ إلينا، فإنَّ عصـرَكَ عصرٌ ذهبى.. ونحـنُ عصـرٌ ثانى، سَـقَطَ الفِكـرُ فى النفاقِ السياسى.. وصـارَ الأديـبُ كالـبَهْـلَـوَانِ، يتعاطى التبخيرَ.. يحترفُ الرقصَ.. ويـدعـو بالنّصـرِ للسّـلطانِ، عُـدْ إلينا فإنَّ مـا يُكتَب اليوم.. صغيرُ الـرؤى.. صغير المعانى، عُـدْ إلينا، يا سيّدى، عُـدْ إلينا وانتَشِلنا من قبضـةِ الطـوفـانِ.. أنتَ أرضعتَنـا حليـبَ التّحـدّى فَطحَنَّـا الـنجـومَ بالأسـنانِ.. واقـتَـلَعنـا جـلودَنـا بيدَيْنـا.. وفَـكَكْنـا حـجـارةَ الأكـوانِ، ورَفَضْنا كُلَّ السّلاطينِ فى الأرضِ.. رَفـَضْنـا عـِبـادةَ الأوثـانِ، تَسـتَبِدُّ الأحـزانُ بى... فأُنادى آهِ يا مِصْـرُ مِـن بنى قَحطـانِ.. تاجروا فيكِ.. ساوَموكِ.. استَباحوكِ وبَـاعُـوكِ كَـاذِبَاتِ الأَمَـانِـى، ارمِ نظّارَتَيْكَ... ما أنـتَ أعمى إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ!!».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية