x

منار الشوربجي مأزق هيلارى كلينتون الانتخابى منار الشوربجي الثلاثاء 13-10-2015 21:17


المتابع لما يجرى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية قد يقرأ وضع هيلارى كلينتون وكأنه وضع مرشحة قوية وسياسية بامتياز، تتمتع بخبرات ومهارات عدة، ولكنها تعانى فى استطلاعات الرأى بسبب التحقيقات الجارية معها بخصوص استخدامها بريدها الإلكترونى الخاص، لا البريد الرسمى حين كانت وزيرة للخارجية، وبخصوص قراراتها عشية هجوم بنغازى الذى أسفر عن مقتل أمريكيين أربعة. لكن المشكلة التى تعانى منها كلينتون فى ترشحها للرئاسة تذهب لما هو أبعد من ذلك. فهى طوال تاريخها السياسى اتخذت مواقف تأرجحت بين اليسار واليمين، الأمر الذى خلق لها اليوم أزمة داخل حزبها الديمقراطى وخارجه أيضا.

فهيلارى كلينتون بدأت حياتها فى أقصى يسار الحزب الديمقراطى، الذى هو حزب اليسار، وكانت تلك المواقف مثيرة للجدل حين تولى زوجها حكم ولاية أركنسا الجنوبية ذات الطابع المحافظ. وحين تولى بيل كلينتون الرئاسة فى 1993، كسرت هيلارى لأول مرة النموذج التقليدى للسيدة الأولى ولعبت أدوارا غير معتادة كان منها الإشراف المباشر على مشروع قانون للرعاية الصحية، الأمر الذى أثار غضب ليس فقط الذين يفضلون الأدوار التقليدية للمرأة خارج الحزب الديمقراطى، وإنما أيضا الديمقراطيين الذين اختلفوا مع توجهاتها فى تلك المرحلة، حيث ظلت بوضوح على اليسار من زوجها فى تلك القضية وغيرها. لكن بعد الهزيمة المريرة التى منى بها مشروع قانون الرعاية الصحية، لعبت هيلارى، صاحبة الطموح السياسى، أدوارا أقل وضوحا وأقل يسارية معا. وبمجرد خروج زوجها من البيت الأبيض، بعد فترتين رئاسيتين، ترشحت لعضوية مجلس الشيوخ، واتخذت من خلال تلك العضوية مواقف على اليمين فى السياسة الخارجية وعلى اليسار فى القضايا الداخلية، الأمر الذى لم يكسبها ولاء اليمين، وأفقدها ثقة اليسار. ثم تولت هيلارى منصب وزيرة الخارجية، فاستمرت مواقفها اليمينية فى السياسة الخارجية والتى بدأت، حين كانت عضوا بمجلس الشيوخ، بدعمها لقرار غزو العراق واحتلاله، فكانت بذلك من أهم صقور إدارة أوباما لا الحمائم فيها. كانت على رأس المعسكر الدافع نحو التدخل فى ليبيا، بل خسرت المعركة ضد فريق الحمائم، حين كانت تريد تدخلا أكثر ثقلا بكثير فى سوريا.

وهذا هو فى الحقيقة جوهر أزمة هيلارى كلينتون فى انتخابات الرئاسة. فطبيعة قواعد اللعبة الانتخابية فى أمريكا تجعل من المرحلة الحالية، أى الانتخابات التمهيدية، مرحلة تحسمها قواعد كل حزب، أى يسار الحزب الديمقراطى. وهذا التيار تحديدا لم يعد يثق بكلينتون، رغم أنها بدأت حياتها على أقصى يسار الحزب. لذلك يحظى منافسها برنى ساندرز بتأييد واسع فى أوساط هؤلاء بمن فى ذلك الشباب. لكن الوقت لا يزال مبكرا للغاية. فعندما ينشر هذا المقال تكون المناظرة الأولى بين المرشحين الديمقراطيين قد انتهت لتوها، ثم إن أزمة الحزب الجمهورى، المنفجرة الآن، كشفت عن أن تحقيقات بنغازى كان هدفها الإطاحة بهيلارى من الانتخابات، مما يثير الديمقراطيين عموما.

غير أن المفارقة الجديرة بالتأمل هى أنه رغم المحنة التى يعيشها سود أمريكا، فإنهم ربما سيحسمون معركة ترشيح الحزب الديمقراطى. فحتى الآن، لم يستطع برنى ساندرز الحصول على ولائهم. ورغم أن السود لم ينسوا تصريحات هيلارى كلينتون ضد أوباما فى الحملة الرئاسية عام 2008 حين نافسته على ترشيح الحزب، إلا أن بيل كلينتون لا يزال يحظى بقبول واسع بين السود. فهو الرئيس الذى أطلقت عليه الأديبة السوداء العظيمة تونى موريسون تعبير «أول رئيس أسود» لأمريكا، وذلك قبل عقدين كاملين من تولى أوباما الرئاسة!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية