x

مي عزام حديث الثلاثاء..سميحة الإعلامية «اللهلوبة» مي عزام الإثنين 12-10-2015 22:35


«مريحة كحذاء قديم».. جملة قاسية وصف بها رئيس التحرير «سميحة»، كان يعتمد عليها في كل شئ، ويجاملها في نشر كل ماتكتب، لكنه كان في أعماقه لا يحترمها، ويتعامل معها أحيانا كأنها عاملة أسانسير أو فى«بوفيه».

سميحة محررة نشيطة جدا، تحمل على ظهرها حقيبة كبيرة، تشبه حقائب السفر تضع فيها ساندوتشات وقطع حلوى وكيس بلاستيك به نصف تفاحة أو برتقالة، وعلبة مكياج صغيرة، و«اللاب توب» المسكين الذي تنقر عليه بأصابعها منذ دخولها الجريدة وحتى خروجها، حتى أنها لاترفع عينيها من الشاشة إلا قليلا، وكأنها «تايبست» تكتب موضوعات الجريدة كلها.

لقد دخلت الجريدة متأخرة، بعد فترة طويلة من عملها في مكاتب الصحف العربية، برغم حجابها كانت ترسم عينيها بقلم كحل غامق، وتضع ظل جفون فاقع من النوع الرخيص، وأحمر شفاه وردى لايليق بسمرتها الداكنة التي تتحول إلى لون غريب بعد إضافتها لأحمر الخدود.

حين تراها وهى تسرع الخطى داخل الجريدة تشعر أنها تسعى وراء إنفراد، أو خبطة صحفية، رغم أن معظم موضوعاتها ذات طابع أرشيفي، لكنها مع الوقت تحولت إلى سكرتيرة من نوع خاص لرئيس التحرير تضع قائمة تليفونات طويلة امامها وتتصل بعشرات المصادر، لتحديد مواعيد مع الوزراء والسياسيين باسم رئيس التحرير، وتذهب معه اثناء إجراء الحوارات، ثم تقوم بالتفريغ، ويتولى محرر آخرالصياغة النهائية، وترضى بوضع اسمها وصورتها كمشاركة.

مع الوقت وجدت سميحة فرصة إعداد في برنامج تليفزيوني على قناة فضائية خاصة، وتوسعت علاقاتها مع المصادر،وتوسعت خدماتها لرئيس التحرير،فكانت تستخدم موضوعات الجريدة في البرنامج، وفقرات البرنامج في الصحيفة،و«الحسابة بتحسب» كما كان رئيس التحرير يداعبها ساخرا، كانت تعرف كيف تسوق المنتج المتواضع مهنيا ببعض التملق وخدمة الرؤساء، حتى شاع في الجريدة أنها تعمل جليسة لأطفال رئيس التحرير، وتذهب للتسوق مع المدام،وتحضر لها كوافيرة في البيت، وتغدق عليها بالهدايا.

سميحة لم تكن قبيجة، لكنها غير مهندمة، وسلوكها محل تندر من الزملاء، كانت تأكل بسرعة، ولا تنتبه لبقايا الطعام على فمها بعد الأكل، وتضحك بطريقة عالية تنتهي بصوت عجيب يشبه «نهيق حمار».

في زمن أنصاف المواهب والمدعين استطاعت سميحة أن تثبت أقدامها في الجريدة وتنال ثقة رئيس التحرير،فهي تسعفه بتسكين مساحات كبيرة بإيقاعها السريع، وربطها بين النشر ومصالح البيزنس مع المصادر، كانت مثل البائع المتجول، تبيع بضاعتها في كل مكان.. مرتين وثلاثة مع بعض التعديلات الطفيفة التي يسميها أولاد الكار «تقلب الشراب».

وسط هذه المشاغل المتعددة كانت سميحة تجد وقتا للثرثرة السريعة، والشكوى من كل شئ، فهي تعيسة،مسؤولة عن مصاريف البيت وتربية طفلتيها لأن مرتب زوجها لايزيد عن مرتب الشغالة التي تنظف لهما شقة التجمع الخامس، لذلك يعيش في الظل لا يسألها أين كانت مهما تأخرت، حتى لو باتت أياما خارج المنزل، كانت تردد مثل هذه الشكاوي لكل من يجلس معها دون تمييز.

ذات يوم سقطت سميحة في الجريدة من الإعياء، وعندما أفاقت ظلت تصرخ بشكل غريب، وتم نقلها لإحدى المستشفيات الخاصة، وقيل أنها تعاني من اجهاد ذهنى وعصبى حاد، ولابد من راحة إجبارية، وبعد أيام ذهب عدد من الزملاء لزيارتها، حيث كانت المفاجأة، فسميحة تعيش في فيللا مفروشة بأفخم الأثاث، وزوجها مدير مالي له مكانته في أحد البنوك الشهيرة، وابنتيها (سماء ودعاء) في غاية الرقة والأدب وتدرسان في مدارس انترناشونال باهظة المصاريف.

ولكن سميحة عادت لعادتها القديمة في الجريدة،ولكنها حققت طفرة في الفضائيات، قدم لها رئيس التحرير خدمة العمرعندما قدمها لأحد رجال الاعمال قائلا: «دي اللي هتنفعك، لهلوبة ومابتقولش لأ»

نظر إليها رجل الأعمال الذي يدير عدة شركات إعلانية ويمول عددا من البرامج التليفزيونية وأجاب ضاحكا: ودي هعمل بيها إيه؟

اختفت سميحة من الجريدة وبعد عام واحد عرفت أنها صارت شريكة أساسية لا يستغني عنها رجل الأعمال المتعجرف، وعندما شاهدتها ذات مرة كانت قد خلعت الحجاب، وترتدي أحدث الأزياء، ولم تعد تحمل تلك الحقيبة الكبيرة على ظهرها.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية