منذ حوالى عقد ونصف قرر النظام التعليمى المصرى المتخبط أن يُعيد توزيع مواد «الثانوية العامة»، فتم إقرار منهج مادة «رياضيات1» على القسمين العلمى والأدبى معاً. أضاع الطالب المجتهد وقته فى مذاكرة تلك المادة، وخصص لها قسماً من عمره. ثم صُدم الجميع يوم الامتحان؛ فقد كان فى مستوى الطالب «الأبله»! كان سهلاً لدرجة أنه حقق الرقم القياسى فى عدد من حصلوا على الدرجات النهائية. ساوى هذا الامتحان بين الذين يعملون والذين لا يعملون، وكانت حجة الوزارة وقتها أن هذه المادة قد قُررت على القسم الأدبى، وبالتالى فلا يمكن إلا أن يكون الامتحان سهلاً. تساوى الجميع وضاع مجهود الطالب المجتهد، الذى شعر وقتها كـ«فريد شوقى» فى فيلم «الأبطال» حين قال: «راحت فلوسك يا صابر»!
فلوس صابر تضيع فى مجالات كثيرة يحدث فيها تساوى فى الإنتاجية رغم تباين الإمكانيات وذلك لضعف الاختبار، مثلما يحدث فى مجال «الاستشارات الإعلامية». المستشار الإعلامى الآن لا يشير على أحد، أصبح منفذاً وليس مُخططاً، بل إن غالبية هؤلاء لا يعرفون التوصيف الوظيفى لمهنتهم ولا بيان مهمتهم، هم يقومون فحسب بما يُعرف بـ(Media Relation) أى إدارة العلاقات مع الإعلاميين والصحفيين. ويظن معظمهم أن دورهم هو العمل «بفهلوة» على توزيع بيانات أو نشر تصريحات أو فبركة أخبار! بينما الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.
أبسط مهام المستشار الإعلامى -إللى بجد- هى القيام، مع فريقه، بعملية الرصد الإعلامى (وتتضمن الوعى بسياق الرصد وتشخيص مجاله، ومعرفة ردود الأفعال بأنواعها، ثم تقديم النتائج بعد التحليل الكمى والكيفى، مع طرح عدد من التوصيات إذا لزم الأمر)، بعد ذلك ينطلق لبناء استراتيجية إعلامية ثم يعمل على تنفيذ خطة اتصال بما يتضمنه ذلك من بث رسائل استراتيجية بوتيرة معينة، كل ذلك فى إطار محاولات عامة لإعادة تأطير الأحداث والوقائع الخاصة بصورة العميل بما يسهم فى تعزيز الاستراتيجية العامة.
من المهم والمحتم لأى وزارة أو مؤسسة أن تقوم بتسويق سياساتها؛ فهذا يفتح أبواب النجاح، ولكن لن يحدث هذا فى ظل استخدام مستشارين إعلاميين افتراضيين لا يمكنهم حتى إقناع بواب أن يفتح لهم باب المصعد! للأسف الجميع قد تساووا الآن وتحولت مهنة المستشار الإعلامى إلى «نصباية» كبيرة يقوم بها أى «حلنجى»! وأصبح من العادى أن يجهل المسؤول ومستشاره مغزى الاستشارات أو معنى الإعلام، علاقتهما معاً تتلخص فى مستشار «عيان» لا يعرف، يقدم خدماته لعميل «ميت» لا يفهم.
Twitter: @RamyGalal1985