فى الحقيقة لم يختر الرئيس السادات الحرب، ولم يسع إليها وإنما أجبر عليها إجباراً، خاصةً أن إسرائيل التى بدأ وجودها بجيش ثم انتهت إلى دولة لم تكن تؤمن أبداً إلا بسياسة فرض الأمر الواقع وعدم الاعتراف بالشرعية الدولية، فكم من قرارات أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لم تجد لها آذاناً صاغيةً فى إسرائيل، وآخرها كان قرار 242 الذى كان يقضى بانسحابها من الأراضى المحتلة بعد الرابع من يونيو 1967 ومع ذلك لم تنسحب إسرائيل، وكم من مواقف أمريكية داعمة لإسرائيل محلياً وإقليمياً ودولياً مكنتها من فرض إرادتها على مصر والعرب بما يحقق لها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وقد حاول السادات دون جدوى إيجاد سبل سلمية لحل الأزمة، إلا أن النتيجة دائماً كانت أصفارا تضاف إلى أصفار، حتى إن الرئيس السادات نفسه أعلن صراحةً عن مبادرة سلام فى خطابه الذى ألقاه أمام مجلس الشعب فى يوم 4 فبراير عام 1971، تقضى بإعادة فتح قناة السويس وانسحاب إسرائيل بشكل كامل وشامل من جميع الأراضى العربية، تطبيقاً لما ورد بقرار مجلس الأمن رقم 242، لكن المبادرة لم تحظ باهتمام الأمريكيين والإسرائيليين، كما أن عمليات الاستنزاف التى انطلقت منذ عام 1968 وزيادة الدعم العسكرى المصرى للفدائيين الفلسطينيين، كلها كانت وسائل ضاغطة ربما كان لها تأثيرها السلبى على الرأى العام الإسرائيلى، لكن لم يكن لها مردود قوى إزاء انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها بعد الخامس من يونيو 1967 لذلك وأمام ضغوط الرأى العام المصرى والعربى الثائر والاستياء من حالة اللاسلم واللاحرب التى أدت لتحمل الشعب المصرى أعباء اقتصادية فادحة، كان لابد من القيام بعمل عسكرى كبير يستهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو، ويقنعه بأن مواصلته احتلال الأراضى المصرية والعربية ستكلفه ثمناً باهظاً قد لا يستطيع دفعه.
إن اختيار الوقت المناسب للمواجهة يعطى لمن اتخذ زمام المُبَادَأة الفرص الأكبر فى كسب الأرض وإدارة المعارك بما يحقق له قدراً كبيراً من الحسم واختيار الشخصيات الواعية بالشروط الواجب توافرها، فتحديد توقيت الحرب يساوى نصف نجاح المعارك، بينما يتحقق نصف النجاح الباقى بكيفية إدارة العمليات العسكرية على الأرض.
من هنا تم تحديد سبع شخصيات عسكرية مصرية تتراوح رتبهم بين عقيد ومقدم وعميد، وجعلهم يخضعون مباشرةً لرئيس العمليات اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، كانت مهمتهم هى تحليل المعلومات الواردة إليهم أولاً بأول، والتعرف على آخر المستجدات وربطها بما سبق، وبما قد يترتب عليها من نتائج، وكذلك تحديد أنسب الشهور ثم أنسب الأيام فى الشهر الذى يقع عليه الاختيار كى يكون نقطة البداية نحو ساعة الصفر.
بعد تحديد شهر أكتوبر موعداً للحرب كان لابد من تحديد اليوم، والذى اتفق على أن يكون يوم السادس من أكتوبر عام 1973.
لقد روعى فى اختيار ذلك اليوم أن يكون حاملاً لكل مقومات النجاح العسكرى والخداع الاستراتيجى لإسرائيل، إذ كان يوم احتفال الإسرائيليين بعيد الغفران «يوم كيبور»، وهو يوم صيام وسيكون يوما تتوقف فيه كل المؤسسات الإسرائيلية عن العمل، بما فيها مؤسستا الإذاعة والتليفزيون، وهو ما يعنى عدم فاعليتهما لاستدعاء قوات الاحتياط، حتى إذا تم تشغيلهما فإن أحداً لن يستمع أو يشاهد أياً منهما لمعرفة الناس بأن الإذاعة والتليفزيون لا يبثان شيئاً فى هذا اليوم، مما قد يضطر الجيش الإسرائيلى لاستخدام وسائل أخرى فى استدعاء جنوده، مما سوف يستغرق وقتاً طويلاً لتجهيز قوات الاحتياط، ومثل هذا الوقت هو المطلوب طبعاً بالنسبة لقوات العبور المصرية والسورية كى تضمن النجاح فى مهماتها الأولى، ويستعيد الجندى المصرى والعربى ثقته فى نفسه وفى إمكانياته وفى قياداته، كما يتميز هذا اليوم بأن ضوء القمر سيكون ظاهراً فى النصف الأول من الليل بوصفه اليوم العاشر من الشهر العربى بينما سيكون النصف الثانى من الليل مظلماً، وهذا يناسب خطة العبور بحيث سيمكن وحدات المهندسين من إنشاء الكبارى تحت ضوء القمر أول الليل، ويسمح بحرية تدفق العابرين من الأفراد والأسلحة والمعدات فى النصف الآخر من الليل بالمرور تحت جنح الظلام، هذا بالإضافة إلى أن فرق المنسوب بين المد والجزر فى القناة سيكون فى أقل مناسيبه، مما سيسمح بعبور القوارب المطاطية بقدر كبير من السهولة واليسر، هكذا كان وعى القيادات العسكرية المصرية بأدق التفاصيل، وهكذا حصدت مصر انتصار أكتوبر أعظم هدية من القوات المسلحة لأبناء هذا الشعب العظيم فى التاريخ المعاصر.