x

سعد الدين ابراهيم الدكتورة ليلى إسكندر.. ومملكة الزبّالين فى مصر المحروسة سعد الدين ابراهيم الجمعة 09-10-2015 20:49


د.ليلى إسكندر كانت معروفة للرأى العام كوزيرة لشؤون العشوائيات والتطوير الحضرى. ولكن الأهم، وهو ما لا يعرفه الرأى العام المصرى أن ليلى إسكندر قبل أن تكون وزيرة كانت قد قضت حوالى رُبع قرن من حياتها مع عدد من الناشطين والناشطات الاجتماعيين فى رعاية جامعى القمامة فى القاهرة الكُبرى، وتطوير وسائلهم فى جمع القمامة، وكذلك تطوير المناطق التى كانوا يعيشون فيها فى أحياء المقطم والمقابر (مدينة الموتى، كما يُسميها الباحثون الأجانب)، وعزبة الهجّانة، وعزبة النخل، على أطراف القاهرة.

وللقُراء الذين ربما لم يهتم معظمهم بمصير ما أو يُخلفونه فى حياتهم اليومية من نفايات، يُخبرنا الدكتور ماجد عثمان، الإحصائى المصرى النابه، ومُدير المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، أنه فى عام 2014 وحده، كان هناك سبعة مليارات طن من النفايات، بمعُدل طن واحد لكل فرد، فى المتوسط. أى أننا فى مصر، خلفنا 90 مليون طن من القمامة الصلبة، وهو ما يُعادل تقريباً حجم الهرم الأكبر، هرم خوفو، فى عام واحد.

وقد أصبحت النفايات بكل أنواعها (الصلبة والسائلة والغازية) مشكلة اجتماعية ـ اقتصادية ـ بيئية مع الثورة الصناعية فى إنجلترا، منذ أواخر القرن الثامن عشر، ثم فى بقية أوروبا، مع امتداد تلك الثورة الصناعية لبقية بُلدان القارة، وقارتى أمريكا الشمالية والجنوبية. ومع مسيرة التنمية والتحديث لبقية بُلدان العالم فى كل القارات، أصبحت مشكلة النفايات مسألة كونية من حيث جمعها، ونقلها، وإيجاد أماكن لدفنها أو التخلص منها. ولقد لجأت بعض الدول الغربية إلى حفر ما يُشبه الخنادق لدفن تلك النفايات، وتركها لعدة عقود علها تتحلل وتذوب فى التُربة، والمياه الجوفية. ولكن مع الزيادة الفلكية فى معدلات الدخول، وبالتالى معدلات الاستهلاك، لكل فرد فى المتوسط، على سطح نفس الكُرة الأرضية. ولضيق الحيز العمرانى فى عدد من الدول المتقدمة، والتى يصل فيها مُعدل إنتاج النفايات فى بعضها إلى عشرة أطنان للفرد سنوياً، لجأت تلك الدول إلى التعاقد مع بُلدان فقيرة فى العالم الثالث لكى تستخدم أراضيها لدفن النفايات.

المهم، وعودة إلى موضوعنا، كانت الناشطة ليلى إسكندر، ود.شريف الحكيم، ود.راجى أسعد، ود.منير نعمت الله، ود.باربارا إبراهيم، من أوائل من اهتموا بمشكلة النفايات وبالعاملين فى جمعها فى القاهرة الكُبرى، وفى غيرها من مُدن مصر الكُبرى. ووجد هؤلاء الرواد أن ظاهرة النفايات فى المجتمعات الحديثة، أصبحت تتطلب منظومة اجتماعية ـ اقتصادية ـ سياسية ـ بيئية للتعامل معها.

وكانت الناشطة ليلى إسكندر هى ربما أول ناشطة مصرية تأخذ أمر النفايات ومن يعملون بها مأخذ الجد الأكاديمى بقدر أخذها مأخذاً إنسانياً. فمن حيث الجدية الأكاديمية سعت ليلى إسكندر للحصول على منحة دراسية، مكّنتها من السفر إلى الغرب حيث درست وحصلت على درجة الدكتوراه، وعادت إلى محبوبتها مصر، لتكرّس كل جهودها وما اكتسبته من خبرات مُقارنة فى الخارج، للتعامل الواعى والشامل والمُتكامل مع ظاهرة النفايات فى المُدن المصرية، والتى سرعان ما اتضح لها أنها أصبحت منذ ثمانينات القرن الماضى، ترتبط عضوياً بظاهرة المناطق العشوائية والهجرة من الواحات والصعيد وريف الدلتا إلى القاهرة الكُبرى والإسكندرية، وبدرجة أقل إلى عواصم المحافظات الأخرى. ولأنها كانت هجرة عشوائية، ومن عناصر بشرية ليس لديها مهارات تذكر، أو تعليم، أو مُدخرات، فقد انخرط معظم هؤلاء المُهاجرين فيما يُسميه الاقتصاديون بالقطاع غير الرسمى، أى الذى لا يتمتع العاملون فيه بأى خدمات أو تأمينات اجتماعية أو رعاية صحية.

وكانت الزبالة والزبّالون ضمن ذلك الاقتصاد غير الرسمى. فهم موجودون ويتزايدون، ولكن لا توجد لهم أو عنهم أى سجلات حكومية رسمية. بل كانت الأعمال والأنشطة التى يقومون بها لسد احتياجاتهم الأساسية محل مُلاحقات ومُطاردات من الأجهزة الأمنية. وكان الدليل الصارخ على حالة البؤس التى يعيشها أولئك الزبّالون، هو أن مُعدل وفياتهم كان ضعف المُعدل العام لبقية المصريين. وأنكى من ذلك أن وفيات أطفالهم (تحت سن العاشرة) كانت أربعة أمثال مُعدل وفيات بقية الأطفال المصريين.

كانت حقائق البؤس الإنسانى لشريحة الزبّالين هى ما تولت الدكتورة ليلى إسكندر توعية بقية المجتمع المصرى به. وفى البداية، لم تهتم الأجهزة الحكومية بصيحاتها هى والقلة من النُشطاء الذين انضموا إليها ميدانياً أو تضامنوا معها معنوياً. وفقط حينما أصبح لسُكان تلك العشوائيات أصوات انتخابية فى مناطق مثل الدويقة، والمقطم، وعزبة النخل، بدأ الحديث عن العشوائيات كقضية رأى عام. ثم حينما تفاقمت ظاهرة الإرهاب، سيتضح للباحثين والمسؤولين أن العشوائيات داخل القاهرة ومن حولها، بما تنطوى عليه من كثافة بشرية، وغياب أمنى، أصبحت حضّانات للإرهاب بامتياز. وبدأت الدولة ولو مُتأخراً تصغى لصيحات الغيورين والمهمومين بذلك السرطان المجتمعى، مثل الدكتورة ليلى إسكندر.

وقد تشكلت وزارة مصرية جديدة برئاسة المهندس شريف إسماعيل، ولم تشمل د.ليلى إسكندر فيها كوزيرة لشؤون العشوائيات والتطوير الحضرى، ورغم ذلك فهى تستحق كل التقدير والإعزاز والإكبار. وسيظل مئات الآلاف من الزبّالين المصريين يعتبرونها ملكتهم غير المتوجة. وتستحق د.ليلى إسكندر أن تكون رئيسة للوزراء فى أى حكومة قادمة. وإنى على يقين أنها ستقوم بهذا الدور بكل جدارة وتواضع.

وعلى الله قصد السبيل.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية