قال الرئيس السيسى فى كلمته فى احتفال القوات المسلحة بالذكرى الثانية والأربعين لانتصارات أكتوبر «تحسَّبَت الناس من كلامى عن الدستور وأنا أشاركهم تحسبهم ولست صاحب سلطة ولكنى واحد منكم»، ثم أشار الرئيس إلى أنه طلب من الإعلاميين منذ أكثر من عام وضع التشريعات الإعلامية «فى إشارة منه إلى مسؤولية الإعلام عن إساءة تفسير تصريحاته».
كان يجب التوقف طويلا أمام هذه الكلمات والتساؤل حول من الذى تلقف تصريحات السيسى حول الدستور وانطلق مطالبا بتعديل الدستور؟ وإذا ما كان الإعلام هو المسؤول عن ذلك فأى إعلام وتعبيراً عمن؟ فالقنوات والأبواق بل والسياسيون الذين سارعوا بالدعوة إلى تعديل الدستور يتحدثون بصفتهم مؤيدين للرئاسة ومعبرين عنها، ويقفون فى صفها، فهل إذا ما كانت التشريعات الإعلامية قد أجيزت كان يمكن لها أن تحاسب هؤلاء؟ المشكلة هنا أنك لا تعرف على وجه الدقة عمن يعبر هؤلاء ولمصلحة من يعملون.. هم كثيراً بل دائماً ما يتحدثون بصفتهم بوق السلطة السياسية وصوتها والمعبرين عنها، وإذا لم يكونوا كذلك فبوق مَن هم وصوت مَن، ولماذا يترك لهم المجال لكى يتحدثوا بصفتهم المعبرين عن السلطة إذا لم يكونوا كذلك؟
هناك حالة من الغموض تحيط بالمشهد السياسى ككل وهناك عدم وضوح حول من يحرك ماذا ولمصلحة من، ليس فقط فيما أثارته تصريحات السيسى حول الدستور وما تلتها من هجمة على الدستور وصلت إلى حد التعامل مع لجنة الخمسين التى وضعت الدستور وكأنها عصابة من المجرمين كانت تتم تلاوة أسمائهم لتعريف الناس بمن الذى ارتكب هذا الجرم الذى هو الدستور.. فهل كان هذا تعبيرا عن رغبة الرئيس ومزايدة عليها أم كان عدم فهم لما أراده وتصور أن هذا ما يريده وتمت المزايدة عليه؟ هل نعلق الجرس فى رقبة الإعلام فى إساءة فهم تصريحات السيسى حول الدستور وهل المشكلة مشكلة الإعلام فقط؟ وماذا عن السياسيين الذين سارعوا بتأكيد ضرورة تعديل الدستور، ومن هؤلاء من ينتمون إلى قوائم انتخابية بعينها تتصرف وتتحدث بصفتها قوائم الدولة وهى أيضا على لسان هؤلاء قد سارعت إلى إعلان نيتها العمل على تعديل الدستور من خلال تواجدها فى البرلمان.
مرة أخرى هناك حالة من الغموض فى المشهد السياسى كله.. هناك حالة من العجز عن فهم العلاقات والروابط وبالتالى المسؤوليات عن الأفعال، فكثير من هؤلاء يتحدث كأنه صاحب سلطة فى الوقت الذى يستنكر فيه الرئيس نفسه التعامل معه على أنه صاحب سلطة ويؤكد «أنا واحد منكم» فلماذا يترك لهؤلاء العنان للتصرف كسلطة حاكمة بل إن الأمر يصل إلى حد تهديد الآخرين وتخوين الآخرين ولو كانوا من لجنة وضع الدستور.
من المؤكد أن الأمر فى حاجة إلى تحديد وفى حاجة إلى إيضاح وحتى كلمات الرئيس التى تحدث فيها عن تحسب الناس من تصريحاته حول الدستور، مؤكدا أنه هو نفسه يشاركهم تحسبهم، هذه الكلمات كانت تحتاج إلى تحديد أكثر وتأكيد على ما هو الموقف من الدستور ومن تعديله.. مثل هذه الأمور لا تترك هكذا لمن يريد أن ينتهز الفرصة ومن يريد أن يلتقط الفرصة ليلعب دور المساند والمؤيد، بل يجب أن تكون مواقف الرئاسة واضحة معلنة لا لبس فيها، ولا غموض مما يفتح الباب لكل التفسيرات التى لا تهدد شعبية الرئاسة فقط، بل تسمم أجواء الحياة السياسية كلها وبوضوح أكثر، لماذا تترك الرئاسة آخرين يتحدثون نيابة عنها إن لم تكن هى من أوحت لهم بذلك، وحتى تعلن الرئاسة موقفها بوضوح وتحديد يصبح المفهوم ضمنا أنها قد أوحت لهم بذلك.. ببساطة هؤلاء المهللون والمؤيدون الذين يسارعون للظهور فى الصورة، حتى لو كانت فى أمريكا هل هم من تلقاء أنفسهم يعتبرون أنفسهم معبرين عن الرئاسة من باب «فى حب مصر» أم أن لهم مصلحة من هذا؟