السؤال المهم الآن هو: هل يمكن أن تصبح الدولة قوية فى ظل عدم وجود ظهير سياسى للمؤسسة أو للشخص الذى يحكم البلد؟ الإجابة هنا مرتبطة بتكوين المجتمع والشعب المصرى على مدار آلاف السنين، نحن المصريين نشأنا على ضفاف نهر، احتاج المجتمع المصرى الأول منذ نشأته إلى وجود قوة تقوم على تقسيم مياه النهر، ومن هنا كانت البدايات الأولى للسلطة التى نشأت بطبعها مركزية قوية. كثيرة هنا التفاصيل فى تطور نشأة السلطة المركزية فى مصر وتطورها، ولكن ما أريد أن أخلص إليه فى هذه النقطة تحديدا أن قوة السلطة المركزية هى عنصر حاسم فى استقرار مصر، وتاريخيا كانت فترات الوهن الشديد للمجتمع المصرى مرتبطة بضعف السلطة المركزية فيها. ومن المناسب هنا الإشارة إلى أن الحديث عن لا مركزية السلطة سيظل محدود الأثر وفى إطار المناقشات، حتى تتغير خريطة مصر سكانيا وإنتاجيا لينتشر المصريون بعيدا عن نهرهم، وهذا فعل يحتاج إلى أجيال.
بناء عليه، فإن القوة السياسية الحاكمة فى مصر على مر التاريخ اكتسبت قوتها باعتبارها القطب الجاذب سياسيا وثقافيا واقتصاديا، والعلاقة بين الشعب وهذه القوة السياسية الحاكمة ظلت مزيجا من التنافر والارتباط فى ذات الوقت، وأيضاً شكلا من أشكال المنفعة المشتركة. لتوضيح ذلك، فإن القوة الحاكمة- أيا كانت- كانت تبحث وترتبط بأصحاب النفوذ من العائلات والأشخاص فى أنحاء مصر ليمثلوا القوة الداعمة فى أماكنهم وعائلاتهم وقبائلهم. على الطرف الآخر، ظلت هذه القيادات الطبيعية فى مواقعها عائليا وجغرافيا تبحث عن الارتباط بالقوة الحاكمة- أى السلطة- لتدعيم وضعها والاستفادة من هذه العلاقة. إذًا هى علاقة ارتباط يحكمها الدعم المتبادل والمصالح المشتركة.
بعد هذه المقدمة السريعة التى يمكن أن تطول كثيرا، أناقش ما يطرحه البعض من أن الرئيس عبدالفتاح السيسى ليس فى حاجة إلى ظهير سياسى، وأنه يعتمد على الشعب، أو الظهير الشعبى، والذى ثبت ويثبت كل يوم أنه حقيقة راسخة، بعد أن وضع المصريون ثقتهم وأملهم فيه كقائد مُخلِص ومُخَلِّص- بكسر اللام وأيضاً تشديدها- فهذه حقيقة اعترف بها مَن حاول إنكارها فى الماضى داخليا وخارجيا. ولكن ليسمح لى أصحاب هذه الرؤية بأن أختلف معهم فى عدم حاجته لوجود ظهير سياسى، رغم أن للرئيس ظهيرا شعبيا، إلا أنه يجب أن يكون هناك ظهير أو كيان سياسى له يعبر عن رغبة المصريين ورؤية النظام الجديد، أولاً: للحفاظ على الظهير الشعبى وزيادة الارتباط به، وثانياً: أن يكون قادرا على العمل كفريق واحد، من أجل تحقيق أهداف المصريين، خاصة أننا مقبلون على انتخابات برلمانية، وإن لم يكن هناك ظهير سياسى واعتمدنا على الظهير الشعبى، فسيصبح البرلمان القادم مهلهلا، وبدلا من مساعدته فى إنقاذ مصر سيكون معوقا جديدا للمضى فى مشاريع الدولة، خاصة مع الصلاحيات الكبيرة للبرلمان فى مقابل صلاحيات الرئيس.
أعلم أن هناك نصوصا دستورية تمنع أن يكون الرئيس منتميا حزبيا وهو فى موقعه، وأنا هنا لا أتحدث عن حزب ولكنى أتحدث عن كيان سياسى- أيا كان مسماه- يستطيع أن يكون الظهير السياسى القادر على جمع المصريين فى المرحلة المقبلة جانب وخلف الرئيس، وأن يكون هذا الكيان قادرا على التعبير عن آمال المصريين التى وضعوها فى رئيسهم الذى اختاروه، والذى يحتاج إلى تنظيم هذا الدعم الشعبى فى كيان قادر على الحركة سياسيا على الأرض.