الديمقراطية ليست مرادفاً فقط للمشاركة فى الرأى، ولكنها بجانب ذلك مرادف لمعانٍ كثيرة منها المشاركة فى الملكية والمشاركة فى اتخاذ القرارات والمشاركة فى توزيع الثروات، ومن هذا المنطلق.. كيف نتوجه بمخاطبة الجهات الخارجية للمشاركة والاستثمار فى المشروعات الكبرى المزمع إنشاؤها والجارى تنفيذها دون مشاركة فعالة من أبناء الوطن؟
إن مشاركة المصريين فى المشروعات المطروحة تساهم فى الإدارة والربح الذى يُعاد استثماره، بمعنى أن ناتج الاستثمار للمصريين سيتم تشغيله وإعادة ضخه مرة أخرى داخل الدولة، أما المستثمر الأجنبى فأرباحه واستثماراته عائدها يذهب للخارج ولا يعود على الدولة.. وبالتالى يجب تأمين الاستثمار وتنميته بالمصريين. نتشدق بأننا أكثر دول العالم عائداً على الاستثمار، والمصريون أولى بالاستثمار، وعندنا دليل على وطنية المصريين وقدرتهم على الوفاء باستثماراتهم ومدخراتهم: مشروع قناة السويس الجديدة وتكالبهم على الاكتتاب فى أسهمه.
ويجب أن نعيد النظر فى بعض المفاهيم السائدة ومنها الآتى:
■ المشاركة الشعبية:
إعادة النظر فى الفكر السائد فى الخصخصة أمر واجب الآن، ففى الستينيات كان الاقتصاد المصرى يعتمد على قطاع عام يتمثل فى الشركات المملوكة للحكومة، وقد أدى هذا إلى عزل القاعدة الشعبية عن الإدارة حيث أديرت هذه الشركات بواسطة مجموعة معينة تأخذ القرارات بما يخدم أهدافهم الشخصية، وبالتالى أصبح هؤلاء رأسماليين دون رأس مال، ويديرون تلك المؤسسات دون مخاطرة، وأصبحت الحكومة تحاسب الحكومة، والشعب بعيد عن الإدارة والمراقبة، حتى الجمعيات العمومية التى كانت تعقد سنوياً للنظر فى الميزانيات وكيفية إدارة الشركات لم يكن من حق الشعب حضورها، واقتصر الحضور على الموظفين الحكوميين، مما أدى بطبيعة الحال إلى انهيار تلك المؤسسات، لأن الملكية العامة أصبحت خاصة بالمديرين دون المشاركة فى رأس المال أو المخاطرة، وقد أدى تجمد الفكر فى هذه المؤسسات إلى عدم تحديثها وترهلها وتخلفها، وانحسرت فى السوق المحلية، وبالتالى أهدرت التسويق الخارجى وفقدت مصداقيتها أمام المستهلك المصرى، واقتحمتنا المنتجات المستوردة، وفقد المصرى الثقة فى المنتج الوطنى حتى أصبحت كلمة «مستورد» تعنى الجودة.
انحسار الشركات داخلياً، وعدم إدراكها لديناميكيات السوق خارجياً، أديا إلى عدم قدرتها على إشباع رغبات الشعب المصرى وفهم احتياجاته، وكذلك رغبات المستهلك الأجنبى والسوق الخارجية، مما قلل الطلب على المنتج المصرى داخلياً وخارجياً وزاد المخزون وزادت أعباء ومديونيات الشركات وزاد الاستيراد على مستوى الدولة والعجز فى ميزان المدفوعات واستمرار الاتجاه نحو الكساد ونقص السيولة.. فكان الاتجاه إلى الخصخصة، ولكننا للأسف عندما خصخصنا كان ذلك لتدعيم الاحتكار.
■ المشاركة الشعبية ومركزية القرار:
من المفترض أن المشاركة الشعبية تتم بعدالة توزيع الثروة للشعب ومشاركته فى الملكية، فالمصريون تم تأميمهم ومدخراتهم التى وضعوها فى استثمارات شركات الحديد والصلب والغزل والنسيج، والنصر للسيارات وكل الشركات التى تم تأميمها وحرمت الشعب من مدخراته فى الستينيات، والتى كان يمكن أن تتضاعف ٣٠ و٤٠ مرة، إلا أن سوء الإدارة فى القطاع العام أهدر أموال الشعب، والمصريون دفعوا الثمن فى الاستثمار فى مصر، وخسروا بتراخى الحكومات وعدم حرصها على المواطنين، وعندما قررت الحكومة برنامج الخصخصة استبدلت بالقطاع العام القديم القطاع العائلى، مما أدى إلى ظهور الاحتكارات، كما أنها لم تروج للشركات التى لم تخصخص بعد إعادة هيكلتها للشعب المصرى.
وهنا- تاريخياً- نجد أن الشعب المصرى كان هو بالفعل صاحب الشركات الخاصة، وهو الذى يمتلك أسهم تلك الشركات، لذلك كان من باب أولى أن يتم بيع أو خصخصة تلك الشركات إلى الشعب عن طريق الأسهم بأسعار متميزة حتى تعود الملكية إلى الشعب مرة أخرى.
إن ترويج أسهم فى هذه الشركات للشعب بأسعار مخفضة كان كفيلاً بتوسيع قاعدة الملكية والحد من الاحتكار والمشاركة فى اتخاذ القرار، وكما هو معروف فإن الديمقراطية سواء فى السياسة أو الاقتصاد لا تتجزأ، وهى تعنى توزيع قاعدة الملكية والمشاركة والمحاسبة، وملكية الشعب أسهم الشركات تؤدى إلى التوازن فى سوق الأسهم؛ لأن الاحتكارات والملكية المركزة تساعد على التلاعب من قبل المؤسسات المحتكرة، وهذا يساعد المحتكرين بدوره على استخدام القرارات لصالحهم الشخصى دون النظر إلى الصالح العام وحصولهم على أرباح فلكية وامتيازات من حق الشعب المصرى، وسلطات أدت إلى ضعف حقوق المساهمين الآخرين فى ظل الاحتكار القائم، إلا أن الحكومة ركزت فيما أطلقوا عليه «المستثمر الرئيسى» وباعوا رأسمال المصريين وخرج المصريون من هذه الملكية أو شاركوا بملكية ضعيفة.
وقد دعوت منذ الثمانينيات إلى أن تكون الملكية الشعبية هى الرأسمالية الوطنية، وأساس توزيع الملكية على شعب مصر فى صورة شركات مساهمة يساهم فيها المصريون، ولعلمى بأن مشكلة الإدارة هى الحاكمة فقد دعوت أيضاً إلى اختيار إدارة مهنية مصرية ذات خبرة، فما كان من الحكومة إلا أن آثرت أن يأتى مستثمر خارجى أجنبى أو مصرى يملك الأغلبية من رأس المال المصرى، وتتحول الملكية إلى أفراد أو عائلات من داخل مصر أو خارجها، ونتاج ذلك كان الخصخصة الاحتكارية التى تؤدى إلى تركيز الملكية بدلاً من تنفيذ ما دعا إليه الرئيس بتوسيع قاعدة الملكية، وفى اعتقادى أن مركزة الملكية تتناقض مع الديمقراطية.
والتاريخ يقر بأن مركزة الملكية ستؤدى إلى تزاوج السلطة مع مركزية رأس المال، وهذا نتاجه إجهاض الديمقراطية، ويؤدى فى النهاية إلى فساد، وإلى تدعيم الاحتكار، فى ظل رأسمالية مستغلة وغير عادلة فى توزيع الدخل القومى.