لا قيمة لأى كلام عن خطوة واحدة نقطعها إلى الأمام، إذا كان هذا هو حال مدارسنا المأساوى، الذى نطالعه فى الجرائد، فى كل صباح!
والمحزن، أنه هو الحال نفسه الذى طالعناه العام الماضى، عندما كان هناك وزير آخر للتربية والتعليم، مع اختلاف فقط فى التفاصيل!
ففى بدء العام الدراسى المنقضى تابعنا جميعاً كيف أن أطفالاً كثيرين ذهبوا ليتلقوا التعليم فى المدارس، فعادوا موتى بفعل نافذة سقطت على واحد منهم، مرة، أو بفعل نخلة مالت على آخر، مرة أخرى، ثم بفعل باب سقط فوق طفل ثالث، هنا.. أو هناك، فى مرات ومرات!
وعندما جاء الدكتور محب الرافعى، وزيراً، طلب أن نعطيه عاماً ثم نحاسبه، وما كاد العام يمر حتى كان قد ذهب الوزير، وجاء آخر فى مكانه!
وكان المعنى أن الفترة التى قضاها الرجل فى وزارته فترة ضائعة مرتين: مرة لأننا لا نستطيع، الآن، أن نحاسبه، ومرة أخرى لأن ما بدأه هو لم يستطع أن يكمله.. وكان أن دفع أطفالنا الثمن، ولا يزالون!
ومنذ أن بدأت الدراسة هذا العام ونحن نجد أنفسنا أمام وضع مؤلم فى مدارسنا بامتداد البلد!
ففى مرة رأينا صورة لأطفال فى إحدى مدارس الدقهلية، يتلقون تعليمهم فى مبنى كان فى الأصل اسطبلاً للحيوانات.. وفى مرة ثانية كانت الصورة فى الصفحة الأولى لأطفال فى بنى سويف يذهبون إلى مدرستهم على «تروسيكل» مما ينقل عليه الجزارون اللحوم والخضروات!.. وفى مرة ثالثة كان أطفال فى دمياط يقفون طابور الصباح فى عرض الشارع، لأن المدرسة بلا فناء، وكانوا فى مشهد آخر يؤدون الألعاب الرياضية فوق سطحها فى منظر هزلى بكل معيار!
وفى مرة رابعة كان أطفال فى المنتزه يتكومون بعضهم فوق بعض، فى انتظار أن يكون لهم مكان فى المدرسة، التى قيل فى الخبر المنشور عنها إن فصولها قد ضاقت بطلابها، وإن أغلبهم لا مكان لهم فيها، وإن ملفات بعضهم قد ضاعت!
لا أريد أن أسرد المزيد مما كنت أرصده فى كل صباح، ومما كان، ولايزال، باعثاً على الحزن والأسى.
ولكنى، فى كل مرة، كنت أطالع فيها مشهداً من هذه المشاهد الموجعة، كنت أتذكر على الفور وزير تعليم كوريا الجنوبية، حين سمعته فى دبى، فى فبراير الماضى، يقول إن بلاده تدين فيما وصلت إليه اليوم لشىء وحيد هو أن التعليم عندها كان أولوية لا منافس لها، منذ أن بدأت كوريا طريق نهضتها، وأنه لايزال هو الأولوية الأولى عندها، وسوف يظل!
مجىء الوزير الشربينى ليس حلاً، ولن يكون ولو ضربناه فى ألف، لأن الحل من فوق.. فافعل شيئاً للتعليم يا سيادة الرئيس بخلاف تغيير الوزير.. افعل شيئاً لأن الحل من عندك.. من عندك أنت.