x

نصار عبد الله مريم: الخرافة والحقيقة (2ـ 2) نصار عبد الله السبت 03-10-2015 21:50


فى مارس 1919 توحّد المصريون جميعا، مسلمين وأقباطا فى ثورة عارمة ضد الاحتلال البريطانى، وفى 23 يوليو 1952 توحدت مشاعرهم فى الترحيب بالبيان الصادر من القائد العام للقوات المسلحة الذى يعلن فيه أن الجيش المصرى قد قام بتطهير نفسه وتولية أمره إلى رجال موثوق فى قدرتهم وفى خلقهم ووطنيتهم، بعد أن كانت مصر قد اجتازت ـ كما قال البيان ـ فترة عصيبة من الرشوة والفساد!!،. وفى يناير 2011 توحدت مشاعر المصريين مسلمين وأقباطا مرة أخرى وهم ينتفضون ضد نظام فاسد قام بتحويل مصر إلى عزبة عائلية يتوارثها الأبناء والمحاسيب، وفى يونيو 2013 توحدت الغالبية الغالبة من المسلمين والأقباط فى ثورة عارمة ضد حكم المرشد وحكومة الإخوان! أما فى نهاية يوليو 2015 فقد حدث شىء غريب، إذ توحدت قلوب المسلمين والأقباط مع حكاية ترويها فتاة صعيدية تقول بأن أوراق إجابتها فى الثانوية العامة قد استبدلت، ووضعت مكانها أوراق إجابة لطالب فاشل هو الذى يستحق صفراً فى كل المواد، لكن الصفر احتسب لها هى، مع أنها دائما متفوقة!.. ورغم أن القرائن المتعاقبة قد أوضحت بعد ذلك بجلاء شديد أن مريم لم تذكر الحقيقة،.. رغم ذلك فقد وجدت تأييدا كاسحا من الشارع المصرى، ولم يكن هذا التأييد فيما أتصور راجعا إلى الحملة الإعلامية القوية التى شنت لصالحها، ولا لجهود المحامين ذوى الباع الطويل الذين جُندوا لقضيتها، ولا للإمكانيات المالية الكبيرة أو العلاقات الواسعة التى يبدو أن أسرتها تتمتع بها والتى مكّنتها من أمور شتى، من بينها استخراج تقارير استشارية من خبراء فى الطب الشرعى (قطاع خاص)!!، كل ذلك كان له دور بغير شك، لكن الأهم من ذلك كله أن مريم فى رأيى كانت تعبر عما يشعر به كل مصرى تقريبا من أنه على مدى سنوات طويلة، وحتى بعد ثورتين عظيمتين، ما زال الفساد هو الفساد، ومازالت المحسوبية هى المحسوبية وإن تغيرت أسماء المحاسيب.. الشعب المصرى مازال يشعر بالعرفان والامتنان للرئيس السيسى، لاشك فى هذا، لكنه أيضا فيما أظن، مازال يشعر بالرغبة فى الثورة على نظام لم يتغير فيه شىء تقريبا!.. الحل هو أن يضبط الشعب رموزاً للنظام متلبسين بالفساد الصارخ.. لكى ينكل بهم كبديل للرغبة المكتومة فى الثورة!!.. كان المناخ النفسى مهيأ تماماً لتصديق مريم منذ بداية الحملة رغم أنها ـ كما ثبت فيما بعد ـ لم تكن تروى الحقيقة.. وحتى بعد أن ثبت عدم صدق روايتها ظل الكثيرون مؤمنين بأنها صادقة!! ومتمسكين ـ كما يتمسك منسحق بخرافة ـ بأن هناك تواطئا واسع النطاق شاركت فيه وزارة التربية والنيابة العامة وخبراء وزارة العدل بأسيوط والقاهرة من أجل منح أوراق مريم لطالب فاشل.. (نجل من يا ترى عساه أن يكون هذا الفاشل الذى يتواطأ من أجله كل هؤلاء؟).. فى قصيدة شهيرة كتبها الشاعر اليونانى كافافيس عنوانها: «فى انتظار البرابرة»، يصف كافافيس أحوال المدينة التى تنتظر البرابرة الذين يصلون اليوم.. كل من فى المدينة يعيد حساباته، ويرتب أوضاعه لكى تتواءم مع الحكام المرتقبين!، ثم ينتهى النهار دون أن يصل البرابرة، وتترى الأنباء بأنهم لن يصلوا أبدا!، ويختتم كافافيس قصيدته بقوله: «ماذا نفعل الآن بدون برابرة،.. لقد كانوا حلاً من الحلول؟»، أقتبس من كافافيس هذه النهاية الساخرة لأصف أحوال الذين مازالوا يتمسكون بصدق حكاية مريم، ولسان حالهم يقول: «ماذا نفعل الآن بدون صفر مريم.. لقد كان الصفر الظالم حلاً من الحلول».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية