x

مي عزام ذكرى الأمجاد لاتكفى الأحفاد مي عزام الأربعاء 30-09-2015 21:34


نعيش أياماً محملة بالذكريات، ذكرى رحيل عبدالناصر ونصر أكتوبر.

فى ذكرى رحيل ناصر من كل عام يدور فى رأس محبيه وكارهيه، على حد سواء، نفس السؤال: لماذا ظل عبدالناصر حيا بعد أكثر من أربعة عقود من الزمان؟ لماذا يرفع الشباب صوره فى كل مظاهرة مع الشعارات التى تنادى بالكرامة والعدالة الاجتماعية؟ لماذا لم يبق من عبدالناصر إلا ظله الأخضر، رغم أن فترة حكمه كان فيها ما فيها من سقطات وأخطاء؟ لماذا حين تُذكر صفة الزعيم لا نتذكر سواه؟ ولماذا ظل ناصر مشروعا مطروحا حتى هذه اللحظة وبكل هذا الزخم؟.

كل عام وعلى مدى 45 سنة كنا نحيى ذكرى رحيل عبدالناصر، كل عام ذكراه تحمل أملا فى نفوس المصريين أن يعود ناصر للحياة فى جسد آخر، ليعيد لبلدهم ما تستحقه من مكانة وللشعب ما يستحقه من كرامة.

فـ«ناصر» كان يدرك أن المكانة لا تُشترى، لكنها دور له أعباؤه ومسؤولياته وأيضا ثمنه، كان يعرف أن أمن مصر القومى مرتبط بهذا الدور، لم يكن يؤمن بمصر الواقع، ولكن بمصر التى صنع لها صورة فى خياله وأراد أن يحولها لواقع. ربما كان خياله لايناسب الجميع وربما تعارض مع خيال آخرين وصادما لهم، ولكنه كان صادقا فى حبه لمصر.. الوطن والشعب، فصدقه الناس وبادلوه الحب والثقة، وكلما ضاق الواقع بالمصريين تذكروه، مثلما يفعلون مع نصر أكتوبر الذى مازال يمثل للمصريين الانتصار الوحيد الذى عاشوه، فتاريخ «6 أكتوبر» يمثل لهم استعادة الكرامة والثقة فى النفس.

ولكن هل تكفى الذكريات لتملأ حياة الشعوب؟ أكثر من أربعة عقود مضت على رحيل عبدالناصر ونصر أكتوبر، ولا يجد الشعب المصرى ما يفتخر به إلا ذكرى أمجاد يحتفى بها فى أيام معدودة كل عام، يشعر فيها بأنه كان يوما ما شعبا لديه إرادة فعل، قادرا على التغلب على الصعاب وإنجاز مشاريع كبرى وتحقيق انتصارات تُدرس.

كل ما نحتفى به من أحداث لم يكن الشباب المصرى شاهدا عليها، لكنها بالنسبة له أكثر قيمة مما عاشه، يتمسك بها تمسك من يريد لحياته مسارا مختلفا، يريد لسنوات عمره أن تتسع لما يستحق أن يذكر بعد أعوام أطول من عمره.

التاريخ لا يحتفظ فى ذاكرته إلا بما يستحق أن يروى، فهو مغرم بالأساطير والأمجاد، ولذا لن تجد لسنوات الانفتاح الساداتية ولا لسنوات الركود المباركية أثراً، سنوات ابتلعها التاريخ، كما تبتلع الرمال ماء البحر، لم تترك من أثر سوى آفات اجتماعية، وانكفاء على الذات، وتراجع فى الوعى والثقافة، ومرارة شديدة وغضب عارم أدى إلى ثورة يناير.

اليوم نحن مؤهلون لأن نبدأ مرحلة جديدة لا تقل مجدا عن زمن عبدالناصر، ولا تقل إنجازا عن نصر أكتوبر، مرحلة نصنعها بخيال وأحلام تنسجم مع عصرنا والمتغيرات من حولنا، أحلام تخصنا وليست تكرارا لأحلام مضت ولا لزمن ولى، فمأساة جاتسبى العظيم، التى عبر عنها الكاتب الأمريكى سكوت فيتزجيرالد، هى أنه ظل عالقا فى حلم من الماضى، رغم أن حاضره كان أفضل، ومستقبله كان من الممكن أن يكون أكثر روعة، وانتهى به الحال لمصير مأسوى غير متوقع.

لا أحلم بـ«ناصر» جديد، فزمن الزعيم الأب الحاضن لشعبه الذى يكفيه عناء التفكير فى حاضره ومستقبله انتهى، ولقد كتبت، فى يونيو عام 2012، مقالا بعنوان «موت الرئيس» جاء فيه أن المتغير الأساسى فى ثورة يناير أنها أعلنت «موت الرئيس الأب»، وكان هتاف «ارحل» الغاضب والعنيد أشبه بصيحة نيتشه عن «موت الإله» فى كتابه «هكذا تحدث زرادشت»، الذى اعتبر حينذاك بداية عهد جديد يؤصل لوجودية الفرد، ويسعى لرفع قيمة البطل الإنسان.

لا أتمنى لمصر أن تظل تبحث عن عبدالناصر آخر، ولا تكتفى بنصر أكتوبر، ولا أن تكون خير أيامنا «امبارح» لكن أتمنى أن يجد بلدى طريقه إلى المستقبل، ويحدد مساره ولايحيد عنه.. فلنقل للماضى شكرا.. وللمستقبل أهلا.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية