في حوار الرئيس السيسى مع وكالة أسوشيتد برس الأمريكية يوم السبت الماضى، على هامش زيارته لنيويورك، تطرق للحديث عن القضية الفلسطينية ودعا إلى تجديد الجهود لحلها، وتوسيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتشمل المزيد من الدول العربية، حتى كتابة هذا المقال لم اقرأ تعليق صادر عن أي عاصمة عربية على هذا التصريح، وحده «نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلى رحب بدعوة السيسى بتوسيع اتقاقية السلام !!! ( يمكن الرجوع لنص الحديث على موقع أسوشيتد برس).
بدا لى تفاؤل الرئيس مدهشا فهو يتحدث عن معاهدة سلام عربى إسرائيلى وبعض الدول العربية المجاورة لنا تجاهد للحفاظ على وجودها على الخريطة، بعد أن اصبحت حدودها مهددة بالزوال وباتت قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ مخطط ترسيم الشرق الأوسط الجديد، وحال شعوبها مأسويا، يعيشون تجربة الموت كل لحظة على يد شركاءالوطن وحلفائهم.
الحديث عن مفاوضات سلام جديدة وموسعة بين العرب وإسرائيل يبدو الآن كمزحة ثقيلة وخلل في قائمة في الأولويات، فما نحتاجه الآن وبشدة مفاوضات سلام بين الدول العربية بعضها البعض، وبين أطياف الشعب الواحد، فالضربات هذه المرة تأتينا من الداخل ،انفجار العنف المرعب حولنا جعل من عنف قوات الاحتلال الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في المسجد الأقصى أخبار عادية يقرأها المذيع وينتقل بسرعة للحديث عن اعداد القتلى في سوريا وحجم الدمار في اليمن والمذابح والنهب الممنهج في العراق والمفاوضات التي تبوء بالفشل في ليبيا حيث السلاح في يد الجميع وموصوب لصدورالجميع.
منطقة الشرق الأوسط ملتهبة بالصراع والاستقطاب، وتحولت لملعب للقوى الكبرى والاقليمية، ودول الجوار العربية تشارك بشكل أو بآخر رغما عنها أو بإرادتها، وتتابع بخوف وقلق خطر انتقال الحريق لحدودها وعبور الإرهاب إليها.
الحديث عن السلام مع إسرائيل يعيدنا لسبعينات القرن الماضى ،حين جلست مصر على مائدة المفاوضات مع إسرائيل في عام 1978، كانت حينذاك في موقف قوة، منتصرة في حربها، استعادت كرامتها الجريحة ووضعها العربى والاقليمى، وكان الوطن العربى في أعلى نقطة، الدول العربية النفطية تضاعف دخلها نتيجة ارتفاع اسعار البترول بعد حرب 73، كافة الدول العربية تنعم بالاستقرار وتعيش نشوة الانتصار ويراودها حلم التنمية والتطوير على كافة الاصعدة .
ولكن بعد مرور مايقرب من اربعة عقود على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، يمكننا ان نحسب المكاسب والخسائر، فنجد أننا لم نجنى الرفاهية التي وُعدنا بها، في حين ان اتفاقية السلام أدت لعزل مصر وخسارتها لمكانتها العربية والاقليمية وبداية التبعية لأمريكا والغرب .
بعدها بسنوات وقعت الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل وكذلك منظمة فتح باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، رفعت اتفاقية أوسلو (1)وأوسلو (2 )شعار الأرض مقابل السلام وهو شعار لم يتحقق على ارض الواقع، فبعد عقدين من الزمن تقريبا ،مازالت إسرائيل تستولى على الأراضى الفلسطينية لتحولها إلى مستوطنات ،وبدا واضحا ان المستفيد الأكبر من هذه االمعاهدات كانت إسرائيل التي تبادلت السفراء مع عدد من الدول العربية وفتحت دول أخرى مكاتب تمثيل دبلوماسى وتجارى لها في تل أبيب.
حاولت أن استنبط مقصد الرئيس السيسى حين تحدث عن توسيع اتفاقية السلام مع إسرائيل لتضم دولا عريية أخرى، في هذا التوقيت، ومن هي ،من وجهة نظره ،الدول التي يمكن أن تكون مستعدة لبدء مثل هذه المفاوضات، فلم أصل لشىء، وبدا لى الأمر أنه حديث موجه للإعلام الأمريكى المنحاز لإسرائيل للتأكيد على رغبتنا الدائمة والمستمرة في السلام مع «دلوعة» امريكا، ودعمنا الكامل لهذا الاتجاه حتى لوكان الوقت والظرف غير ملائم ،فالدول العربية تواجه تهديد وجود، فأى مفاوضات يمكن ان تجريها الآن ولماذا؟ وهل ستكون معاهدة سلام ام استسلام، فإسرائيل في معادلة القوة متفوقة على دول الجوار العربية .
تصريحات الرؤساء واحاديثهم يجب ان تكون محسوبة بدقة وليست مجرد كلمات للمجاملة اوعفوية غير محسوبة النتائج، كان يجب على الرئيس أن يشارك مستشاريه الرأى ويستمع لهم قبل ان يتحدث في هذا الشأن .
العالم يتشكل من جديد، أيدلوجيات القرن العشرين فشلت في تحقيق رغبة العالم في مستقبل افضل، الفوضى تعم، الكل في انتظار تشكيل رؤية جديدة، وعلينا الآن أن ندرك موقعنا من العالم دون اسراف أو تفريط، ونشارك في وضع رؤيتنا الخاصة لمستقبلنا الذي سيشاركنا العالم فيه ،وهذه الرؤية يجب أن تكون نتاج دراسات وبحوث علمية وحوار مجتمعى، حتى لاينفرد الرئيس بتنفيذ رؤيته الخاصة داخليا وخارجيا، فحتى الآن لايعرف الشعب وجهات نظر الرئيس في الكثير من القضايا والملفات الخارجية والداخلية فهو لم يصرح بها ولم يعرضها في برنامج ....المهم أن نبدأ والبداية من فوق ،وإلا سيظل الحال كما كان ..الرئيس في وادى والشعب في وادى آخر .