x

عبد الناصر سلامة .. ومازال الدرس مستمراً عبد الناصر سلامة الإثنين 28-09-2015 21:22


قبل نحو ٢٥ عاماً حذّر المفكر الفرنسى روجيه جارودى مما قال إنها (خطة الحرب الاستراتيجية الأمريكية) التى أعدتها مراكز دراسات أمريكية إسرائيلية مشتركة، فى أعقاب اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وقال جارودى فى كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) إن هذه الخطة تقوم بالأساس على تقسيم السودان إلى دولتين، شمال وجنوب، والعراق إلى ثلاث دويلات، سُنة وشيعة وكرد، وكذلك سوريا واليمن، إلى آخر ذلك مما نراه يجرى واقعاً الآن.

الغريب فى الأمر هو أن جارودى لم يتحدث، أو لم ينقل عن هذه الخطة أنها سوف تتم بأيد وأموال عربية، للوهلة الأولى كنا نعتقد أن غزواً أجنبياً هو الذى سيتولى تنفيذ هذا المخطط، على غرار ما حدث فى العراق، أو حتى ما جرى فى أفغانستان، إلا أن السيناريو فيما يبدو كان جهنمياً، أموال النفط العربية هى التى تدير معارك التقسيم، ظناً من أصحابها أنهم بمنأى عن الأحداث أو حتى عن التقسيم، المتحاربون أيضا عرب، إلا فيما ندر من متطوعين مغرر بهم، وبعض العملاء لإذكاء نار الفتنة، القتلى فى كل الأحوال من العرب، سواء كانوا من حملة السلاح، أو من المدنيين العُزَّل الذين لا حول لهم ولا قوة، المهجرون كذلك، المشردون أيضاً.

إذا كان جارودى قد تحدث وقتها عن ذلك الواقع الذى نعيشه الآن بالتفصيل لاعتبرناه من قبيل الأحلام أو الهذيان، بالتأكيد هو خارج نطاق العقل، أبناء الوطن الواحد يقتتلون، وأموال نفط الخليج هى الوقود، الأكثر من ذلك أن جامعة الدول العربية أقرت ذات يوم قصفاً غربياً من قوات الناتو على الشعب الليبى، ثم قصفاً عربياً مشابهاً، بعد ذلك قصفاً عنيفاً على الشعب اليمنى، ثم تدخلاً برياً، ومشاورات جارية وسط خلافات واضحة حول عدوان يقطُر حقداً على الشقيقة سوريا.

بالتأكيد لو كان هذا السيناريو تمت إزاحة الستار عنه يوماً ما لكان خارج نطاق العقل والمنطق، لذا لم يُعِر أحد اهتماماً كبيراً بحديث كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومى الأمريكى آنذاك، عن الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، إلى غير ذلك من مسميات لم يتعامل معها قادة المنطقة جدياً من جهة، ومن جهة أخرى لم يسعفهم لا عامل الوقت، ولا عامل الأزمات الداخلية، ولا علاقاتهم الشخصية المتوترة على التنسيق فيما بينهم لمواجهتها.

المخطط اعتمد على استقطاب شباب يتدربون فى مواقع متعددة من العالم، رصد ١٩٤ مليون دولار لوسائل إعلام جديدة مكتوبة ومرئية تحت عنوان نشر الديمقراطية، خلق مزيداً من الأزمات داخل الدول المستهدفة، تهيئة الشارع لحالة الفوضى المرتقبة، إلى غير ذلك من إجراءات لم يتم الكشف عن معظمها إلا بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، بعد اعترافات من بعض الشباب فى برامج تليفزيونية بالتدريب فى الخارج، وظهور وثائق تخص جمعيات أهلية تتعلق بالتمويل، إلا أن الفجيعة الكبرى هى ذلك الإصرار على حرق المنشآت العامة، وفى مقدمتها أقسام الشرطة، وتهريب المساجين، إلى غير ذلك من أمور استهدفت بالدرجة الأولى نشر الفوضى، وتخريب البلاد، وترويع العباد.

السؤال الذى يطرح نفسه بقوة فى ضوء ذلك الذى جرى ويجرى: هل لم يكن ممكناً تنفيذ مخططات التقسيم هذه فى وجود الأنظمة السابقة؟ هى بالتأكيد كانت أنظمة متماسكة من جهة، ومن جهة أخرى فلم تكن تقبل بذلك رغم ما كانت توصم به طوال الوقت من تبعية للغرب والأمريكان بصفة خاصة، وبالتالى كان لابد من تفكيك البنية العسكرية والشُرَطية وحتى الاجتماعية لهذه الدول، وذلك لتسهيل الدخول فى الفراغات الطائفية والعرقية الموجودة بالفعل، وتوسيعها بما يضمن سرعة تنفيذ المخطط.

المهم أن الخدعة لعبت دوراً كبيراً فى انهيار وهروب سريع للرئيس التونسى زين العابدين بن على، والخيانة لعبت نفس الدور فى تسريع وتيرة تعامل الرئيس مبارك مع الموقف فى مصر وإعلانه التنحى، ولهشاشة النظام فى ليبيا واتساع رقعة الأرض ودخول الغرب ملعب الصراع عسكرياً تهاوى بسرعة بالغة أيضاً نظام العقيد الليبى معمر القذافى، ومن خلال دور سعودى كان رحيل الرئيس اليمنى على عبدالله صالح، إلا أن الرئيس السورى بشار الأسد، ومن خلال دعم روسى- إيرانى واسع، صمد فى مواجهة العاصفة، ناهيك عن الدور الكبير لمشاركة حزب الله اللبنانى فى ذلك الصمود.

المهم أن الدرس، كما المخطط، مازال مستمرا، ومازال بيننا من يُصدقون أن الهدف كان نشر الديمقراطية. وللحديث بقية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية