الإعلام حاضر في كثير من خطابات الرئيس، رسائله إلى الإعلام تختلف من وقت لآخر، مرة يمدح ومرة يعاتب ومرات يشعره بالتقصير وفى آخر مرة كانت رسالته قصيرة، ساخرة ومتهكمة:«مافيش فايدة فيكوا»!!!، قالها مبتسما أثناء القاء كلمته بمناسبة فاعليات أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، ولأننى أنتمى لهذه الفئة التي يجد رئيس الجمهورية أنهم بلا فائدة، حشرت نفسى في الموضوع، واريد أن أفهم مايريده الرئيس منا تحديدا حتى افعله لو أمكن، وماهى الفائدة التي من وجهة نظره علينا أن نقدمها ؟.وهل الرئيس يعتقد أن فائدة الإعلاميين لمصر كوطن لايمكن ان تتقاطع مع فائدتهم للنظام الحاكم؟ أم انه يمكن ان يكون هناك تقاطعات تبعد هؤلاء عن هذا الخط أو ذاك؟ بمعنى هل المطلوب ولاء الإعلام للنظام أم للدولة المصرية ؟، النظام يتغير والدولة باقية منذالآف السنين بحدود جغرافية واضحة ومحددة وعمق تاريخى لاخلاف عليه .
عدم وضوح الرسائل يؤدى إلى تفسيرات قد لاتكون دقيقة ،تبعدنا عن القصد والنية، ولأننى مع حسن النوايا، وارى أننا نحتاجها في هذه المرحلة التي أصبح سوء الظن والشك هو العرف الغالب والحاكم بين فئات المجتمع، وعلى الرغم من تصريح الرئيس ان النوايا الحسنة لاتكفى لإدارة بلد ،أحشر نفسى واحاول أن افسر ما قد يكون نية الرئيس حين وصف الإعلام «مالوش فايدة».
السيسى جندى وليس سياسى، ولقد فوضناه للحرب على الإرهاب طبقا لهذه الصفة الوظيفية، ولكن بعد أن أصبح رئيسا، فمعاركه لم تعد فقط مع الإرهاب، ولكن لديه معارك سياسية أخرى، الجبهات متعددة، داخلية وخارجية ،في الداخل يحارب إرهاب على الحدود وفى عمق البلد، ومعروف ان الحرب مع الإرهاب أكثر ارهاقا من الحرب مع جيش نظامى، عنصر المفاجأة والاختباء وسط الجموع والمناورات ميزة للجماعات الإرهابية المسلحة تستفيد منها في قتالها مع الجيوش النظامية ،هذه أول معارك نظام السيسى والتى تقدم فيها تقدما ملموسا .كانت صورة السيسى التي ُقدم بها هي صورة المخلص «السوبر»، هذه الصورة الذهنية التي صنع الإعلام جزء منها بالاضافة إلى الظرف الذي عاشته مصر في ظل حكم الإخوان ،الوضع تغيرالآن، واكتشفنا أنه رجل مثلنا، ومثل غيره من الحكام، يخطىء ويصيب ،ولايستطيع ان يقدم إلا في حدود إمكانيات البلد وظروفها الاقتصادية الصعبة، وكنا نتصور ان لديه خريطة الكنز وسيغرف ويعطينا «لؤلؤ ..مرجان... ياقوت..أحمدك يارب»أو أنه هرقل الذي سينتصر على الاعداء جميعا في غمضة عين، الفرق الجوهرى الذي اراه في شخصية الرئيس والذىقد يختلف فيه عن السادات ومبارك ومرسى، هو تماهى السيسى مع فكرة مصر، وشعوره أنه يمثلها وليس مجرد حاكم يديرها، وحين يطلب الرئيس من الإعلام ان يقف جنب مصر، فهو في الحقيقة يطلب منهم الوقوف بجانبه، بدعم مشروعه السياسى، وآليات عمله التنفيذية .
المشكلة الحقيقية التي لاينتبه إليها الرئيس، ان العيب ليس في الإعلام الذي اعتقد ان معظمه افراده يساندوا الرئيس في جميع قراراته ،ولكن العيب عند الرئيس الذي لم يقدم للرأى العام حتى هذه اللحظة مشروع سياسى واضح المعالم .
أثناء الانتخابات الرئاسية لم يقدم السيسى برنامجا انتخابيا، ولكن قدم نفسه باعتباره هو البرنامج وايضا هو الضامن لنفسه عن نجاحه في إدارة البلد بعون الله، في ذلك الوقت كانت الثقة في شخص السيسى كافية لاختياره لأربع سنوات قادمة، وكان من المنتظر ان يهتم الرئيس بوضع الخطوط الرئيسة لمشروعه السياسى، لنعلم إنحيازاته وقائمة اولياته ،وبرغم كثرة الحديث عن المجالس المتخصصة المعاونة للرئيس التي تضم خبراء في كل المجالات فحتى هذه اللحظة لم نسمع عن خطة مصر ومشروعها السياسى للعقد القادم، وهى أساس تقييم نجاح أو فشل النظام وحكوماته، المعايير لاتوضع فقط لتقيم أداء موظفى الحكومة بقانون الخدمة المدنية، الذي اسانده، ولكن للجميع بداية من رأس الدولة وحتى أصغر موظف فيها .
في هذه الحالة يصبح المطلوب من الإعلام والشعب واضح، دعم هذا المشروع السياسى الثورى المستقبلى الذي يسعى لتغيير مصر وتحسين اوضاعها، وهنا يكون الاصطفاف خلف المشروع الوطنى وليس شخص الرئيس، ويصبح الولاء للدولة وليس لشخص أو نظام، والمعارض لهذا المشروع يكون معرقل للمستقبل وعدو للشعب .
البداية من فوق ...من عندك ياسيادة الرئيس ....وكما تطالب بسرعة إنجاز المشروعات العملاقة في أقل وقت ممكن ..نطالبك بسرعة إنجاز مشروعك السياسى حتى يصبح للإعلام فائدة في توعية الرأى العام بمشروع المستقبل ،وحينذاك يتم تغيير الحكومات حينما تفشل في تنفيذه ويختار الوزراء طبقا لهذه المعايير وتتحقق الشفافية ...والله المستعان .