x

جمال الجمل أُبصم هنا يا أبوالعلا جمال الجمل الخميس 10-09-2015 22:04


كلمة «الشعب» قديمة، لكنها ظلت قروناً طويلة كلمة هلامية، غير محددة ولا مفهومة.

فكرة «الرأي العام» جديدة وعصرية.. بنت القرن العشرين، لكنها فكرة «أونطة» وغير علمية، مهما تمسحت في العلم، لأنها تتناقض مع «الطققان» الذي يميز عقل الفرد، ويجعله غير خاضع لأي توقعات مسبقة.

بقليل من الفلسفة نكتشف أن فكرة «الرأي العام» (برغم حداثتها) كانت حلماً قديماً حتى عند آلهة الأوليمب، حيث لا تكتمل السيطرة على البشر إلا من خلال مراقبتهم والتعرف على دوافعهم، وتوقع خطواتهم التالية، وفي القرن العشرين تم تطوير هذا «الحلم» إلى «ما يشبه العلم» لنفس الغرض الأوليمبي القديم: تحقيق السيطرة والتحكم بالجماهير، ودمج رأي فرد مع فرد، لصناعة «رأي عام» تسهل إدارته، لاستخدامه في تنصيب قيادات، وطبخ قرارات، وتسويق منتجات، ثم تحميل الجمهور مسؤولية الاختيارات، مع أنها اختيارات شكلية تم «فبركتها» سلفاً.

منذ صباي كنت أتعجب، وأسأل نفسي كيف يذهب الفلاح إلى صندوق الانتخابات ليختار (العمدة الذي يسرقه)، كما كان يختار جده (الباشا الذي يجلده)؟

لم أفهم حينها أن الموضوع كبير، وأن الفلاح منوم معناطيسياً ضمن قطيع كبير تم منحه حقوق شكلية ليستخدمها الأسياد لصالحهم: «أبصم هنا يا أبوالعلا».. «أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم».

لما كبرت قليلاً وانخرطت في العمل السياسي، اكتشفت أن معظم التنظيمات التي تعرفت عليها في فترة الجامعة تعمل بنفس الآلية.. آلية «لم الأنفار» وحشر الأيديولوجية في دماغهم بنفس طريقة التنويم المغناطيسي، ولأنني دخلت السياسة من باب الثقافة، وليس من باب البحث عن فرصة للسلطة أو الشهرة، فقد كان الوعي هو دليلي ومرشدي، فلم أعتمد أبداً أسلوب التجنيد لا ستهداف زبون جديد، ولم أناقش أحداً أبداً بهدف إقناعه بدخول تنظيم، أو مشاركة في فعالية، لكنني كنت أعمل وأشارك وأناقش بهدف نشر الوعي، وتطوير حاسة الاختيار السليم، وفي هذه الفترة تعرفت على مؤلفات الباحث الأمريكي الشهير والتر ليبمان، عن الرأي العام، والجمهور الشبح، والصورة النمطية، ولمست دور وسائل الإعلام في غسيل المخ الجمعي وغرس قيم وقناعات معينة المجتمع بهدف التحكم وتوجيه الجموع.

في ذلك الوقت سعى تلاميذ مدرسة فرويد لتطوير التحليل النفسي لاستخدامه على العامة، وتوصلوا إلى استخدام القلق والفزع والإرهاب في تدين المواطن وتحويله إلى طفل سياسي يمكن التلاعب به وتعطيل عقله وخبراته والضحك عليه، ثم تطورت الأمور، وتم التوصل إلى تفكيك مفاهيم المجتمع وإعادة تشكيلها تحت ضغط محسوب، ورسائل برمجة واسعة يلعب فيها الإعلام الدور الأبرز، في بيئة من الخوف والظلام الذي يعطل أي تفكير منتظم أو رؤية سليمة.

وأتذكر صورة جميلة وصف فيها ليبمان «الجمهور» بأنه مثل تلميذ بليد يجلس في آخر الصف يغلبه النعاس والملل، ولا يكترث بالدرس، لكنه أحيانا يصحو على ضجة أو سؤال من المدرس، فيقول أي كلام، ليوهم الآخرين أنه متابع ومشارك وفاهم، وهذا ما أراه اليوم من جمهورنا الذي صورناه وهو نائم، وشكونا من شخيره، وقدمنا مئات الدراسات عن أسباب انصرافه عن المشاركة السياسية، ثم استيقظ فجأة على ضجة 25 يناير، ليوهمنا أنه مشارك، وبدا يفتي في الدستور، والديمقراطية والثورة وتفاصيل الحكم.

وطبعا حينذاك كنت أرفض بشدة مثال ليبمان، الذي يقصد أن يقلل من مقدرة الجمهور على فهم قضايا المجتمع وبالتالي إدارتها، ويرى أن ذلك هو دور النخب المؤهلة لذلك، لأن الجمهور مجرد شبح، ومادة مالئة تعبئها النخبة المسيطرة بما تريد من لون وطعم، ومع ذلك لا يمكن الاستغناء عنه لتبرير «الشغلانة»، سواء كانت «الشغلانة» هي السياسة وشؤون الحكم، أو كانت هي الاقتصاد لاحتكار الأعمال وجمع الأموال، أو الجمع بينهما، ففي الحالين من المهم أن يجعلوا الجمهور يغني بكل صدق وحماس «تسلم الأيادي»، لأن ليبمان يرى أن نجاح النخبة يكمن في استغلال حلم المواطن البدين في أن يكون راقص باليه محترف، لذا تسلط عليه إعلام «أراب أيدول» وتفتتح له مدرسة للرقص وتغرقه في الوهم بدلا من أن توقظه للفهم.. لتستمر الملهاة.

خالد صلاح يحارب الفساد!، ولميس، وعتريس، وأبوالفساد نفسه.

نعم... لتستمر الملهاة!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية