الأرض كوكب صغير ونحن عليه ضيوف لفترة قصيرة، فما الذى يهم أكثر من أن نعيش فى سلام.. هكذا بدأ الغرب يفكر بعد توالى الحروب والكوارث والحوادث، وبعد 11 سبتمبر.
وفى كتاب ممتع بعنوان (الشفاء من الصدمات) تقول المؤلفة الأمريكية كارولين يورد، إن الصدمات ليست كلها بسبب حادث أو إعصار أو حرب أهلية أو موت شقيق غال. بعض الصدمات تحدث لمجتمع بالكامل، بسبب الفقر وعدم قدرة الناس على إشباع احتياجاتهم الأساسية كتوفير العلاج والرعاية الصحية مثلا، مع تفشى الأمراض، وهذا فى حد ذاته أحد أنواع العنف، حين يتعرض له الإنسان مدة طويلة، نطلق عليه الصدمة بالتراكم أو الصدمة المزمنة! والصدمة إما تقوى المجتمع أو تضعفه. أحيانا يحدث للناس بعد الصدمة ما يسمى بالتخدير العاطفى، فنجد البالغين يذهبون لأعمالهم والأطفال يذهبون لمدارسهم فى ظل ظروف قاسية وفى مناطق حرب أو إرهاب.
وأحيانا يحدث النقيض فتنهار الثقة بين الناس بسبب عدم الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، وقد يملأ الناس الشك أو العداء تجاه الآخرين خاصة أولئك الذين يختلفون عنهم.
(هل يذكرك ذلك بشىء؟)
تقول المؤلفة فى كتابها المهم، إننا جميعا مخلوقات تميل لخلق المعانى، وعندما تحدث الصدمة الشديدة نشعر أن عالمنا يتحطم ونحس أنه لا معنى لأى شىء ولا تفسير يبرر ما حدث، ولماذا يحدث لنا نحن؟
يبحث الإنسان بعد الصدمة عن إجابات وعن الأمان وعن تعويض لما فقده، أو على الأقل عن عزاء بأنه برىء وليس سببا فيما حدث، ويشعر الإنسان بالراحة أكثر لو كان ضحية لحادث وقع بسبب القدر أو الإهمال أو الجشع أو الفشل البشرى- حتى لو استحقت الحكومة أو هيئة ما اللوم والعقاب - ولكن لا يوجد من يرغب فى إيذائه عن عمد.
ومن العلامات الأخرى للمجتمعات التى تعانى صدمات نفسية، انتشار اللامبالاة وضعف الذاكرة والصمت عن قول الحق وعدم تحمل الاختلافات وارتفاع معدلات الاختلال الجنسى وسوء استخدام الأدوية ونقص الثقة بالآخرين والأنانية.
المفاجأة أن المؤلفة ترى أن الحزن والإقرار بالخسارة ورواية القصة من أولها هى أول مفاتيح الشفاء من الصدمة.
(المعددة والندابة ووائل الإبراشى يقومون بهذه المهمة عندنا بشكل رائع)!
لكن بعض الناس حتى لا يجدوا الوقت والفرصة الكاملة كى يعبروا عن أحزانهم الحقيقية العميقة، بسبب أن محور تركيزهم هو البقاء على قيد الحياة والاهتمام بتأمين يومهم الذى أصبح يفوق أى اهتمام آخر. وبعض الناس تخاف أن تحزن، كى لا تبدو ضعيفة أمام الناس وكى لا تقر أبدا بأن الآخر تغلب عليها.. والأصعب حين يتجمد الحزن بسبب أن يموت شخص بعيدا عن منزله أو يدفن بمدافن جماعية أو لا توجد له رفات أو جثة.
الإرهاب والحروب والنظم المتخلفة والفاشلة، تصيب الشعوب بالصدمات، والمفارقة أن الطب النفسى يرى الرياضة والفن والتوقف عن لوم الآخرين والنظر اليهم على أنهم أنفسهم ضحايا لظروف سيئة بداية السلام الداخلى، ويرى أن تقديم المساعدة للغير والرحمة والإيمان وحب الخير لكل الناس هو العلاج الشافى من الرعب والإحساس بالمرارة، وطبعا تساعد الأخلاق والقيم الإيجابية على الشفاء من الصدمات، وهذا ما يطمئننى على مصر (يكتبون على ظهر التوك توك: رضا الوالدين أهم من أبوك وأمك) !!