فى السادس من أكتوبر، وخلال احتفال مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة، ظهرت السيدة «انتصار عامر»، حرم الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، لتمارس الدور الذى يحتمه «البروتوكول» وتكون فى استقبال قرينات رؤساء وملوك العالم الذين حضروا حفل الافتتاح المهيب.
حطمت حاجز العزلة الاختيارية الذى فرضته على تواجدها فى المناسبات العامة، والذى اقتصر خلال عام من حكم «السيسى» على عدة مواقف منها مراسم حلف اليمين الدستورية للسيد الرئيس أمام الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الدستورية العليا..وفى بعض المواقف المحدودة.
فى كل مرة تظهر فيها حرم الرئيس كانت تقدم نموذجا فى التواضع والرصانة والحشمة، وتظل بعيدة عن الكاميرات ووسائل الإعلام وكأنها تعلن موقفا محددا: (أنها لن تكرر النموذج الفاسد لـ «سوزان مبارك»، ولن تتعامل بمنطق «سيدة مصر الأولى»، لن تحكم مصر من الباطن- كما فعلت سوزان- ولن تشارك زوجها القرارات السياسية.. إنها «أم» و«زوجة» لزعيم يتربع على قلوب المصريين).
قمة الذكاء والحكمة أن تتنازل السيدة «انتصار السيسى» عن بعض حقوقها إدراكا منها لحالة «الفوبيا» التى أصابت المصريين، من ممارسات «سوزان هانم» و«أم أحمد» زوجة المعزول « مرسى» التى قالت إنها «خادمة مصر».. ثم استغلت نفوذها ورضخ زوجها للإفراج عن شقيقها «محمود» ومنحه عفوا شاملا بموجب صلاحياته كرئيس للجمهورية.. رغم الحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات فى قضية رشوة!!.
لقد طالبت هنا- فى نفس المكان- بإلغاء لقب السيدة الأولى من القاموس الإعلامى والسياسى فى مصر، ومعاملة زوجة رئيس الجمهورية مثل أى مواطن مصرى دون تمييز.. على أن تؤدى واجباتها البروتوكولية، وتشارك فى الأنشطة الاجتماعية.
والحقيقة أن السيدة «انتصار» كانت نموذجا مشرفا للمرأة المصرية، وهى تستقبل السيدة «جيهان السادات» أرملة الرجل الذى أعاد افتتاح قناة السويس.
لا يوجد فى الدستور منصب اسمه «سيدة مصر الأولى»، لكن البروتوكول والأعراف الدولية تقتضى أن يخصص لها مكتب فى ديوان رئاسة الجمهورية وموظفون، وقد يخصص لها راتب وتحدد لها خطة عمل يجب إنجازها وتحاسب عليها فى حالة عدم تنفيذها.
تحدثت السيدة «انتصار السيسى» من خلف دموعها، لمجلة «أكتوبر»، عن علاقة الرئيس بوالدته- بعد وفاتها- وكأنها ترثيها فحسب!.
كسرت جدار الصمت، لتقول للمصريين إن الصفات التى أحببتموها فى السيد الرئيس أخذها من والدته، تلك التى علمته التسامح وحب الناس والقرب من الله، ودفعته للكفاح والاعتماد على النفس، رغم ثراء الوالد!.
رأيت فى كلمات حرم الرئيس صورة «ابنة» وفية ودعت أمها، وودعت معها الحكمة والقدوة الصالحة.. ووجدت فى دموعها شجنا خاصا لزوجة تدرك كم عانى زوجها من ضغوط العمل التى حرمته البقاء طويلا إلى جوار والدته فى أيامها الأخيرة.. رأيت امرأة مصرية تنتمى للزمن الجميل بفكرها وقلبها.
السيدة «انتصار» شريكة فى كل ما حققه الرئيس من إنجازات فى حياته، لأنها تقف خلفه وإلى جواره.. فلا هى تسبقه بخطوة ولا تتصدر صورتها الصحف والفضائيات.. لأنها لا تسعى إلى مجد شخصى.
ربما تكون قد اختزلت مجدها فى ملامحه، ورسمت أحلامها فى ابتسامته، أو قررت أن تظل «سببا» لنجاح الرئيس دون أن تجنى «نتائج» فى صورة امتيازات ونجومية خاصة.. وهذا سر تميزها الخاص!.
أحد أسباب نجاح «السيسى» وحب الشعب له أن أسرته بعيدة عن الأضواء.. ويجب أن تظل كذلك.