x

الدكتور مصطفى النجار عن الجراح التى تُوصد باب المستقبل الدكتور مصطفى النجار الثلاثاء 18-08-2015 12:55


قال لى: هل تعرف ما هي مشكلتنا بعد أن فرقتنا السياسة؟ لقد أصبح كل فريق منا يرى أنه هو الشعب وما عداه لا ينتمى لهذا البلد ولا حق له فيه، لقد أصابتنا حمى أحادية الرؤية فلا نبصر إلا من يشبهوننا ويتبنون مواقفنا وينطقون بآرائنا، أما المختلفون معنا فلا نشعر بهم وإذا شعرنا قمنا على الفور بتجاهلهم أو التحقير من حجم تأثيرهم وقناعاتهم، كلنا نتحدث ونقول (الناس) و(الشعب) و(الجماهير) و(الشارع) و(المصريين) إلى آخره من المفردات التي تجسد أوهام من يرددها ممن يعتقد أن كل الناس معه ومثله ووراءه!

انتحرت إنسانيتنا منذ ظهر بيننا من يطبلون للقتل وسفك الدماء، تجمدت ضمائرنا ونحن نبيح القتل على الهوية السياسية، تشوهت نفوسنا ونحن نفرق بين الدم والدم، عصف بنا التناقض ونحن نهتف «الدولة.. الدولة»، بينما لا يسترعينا الإنسان الذي هو أساس الدولة والغرض من إقامتها واستمرارها، خرج من بيننا من يشرعن الظلم ويقوم بالتنظير له، كل المعانى والثوابت تتكسر على نصال الازدواجية في محرقة القيم التي طالت الغالبية إلا ما ندر، من صفقوا بالأمس يصفقون اليوم، ومن هللوا لهذا قبل ذلك يهللون اليوم لثان وسيهللون غداً لثالث، نخلع مبادئنا كما نغير ثيابنا، نتحلل من كل صلة بالعقل والمنطق ونتسلح بالخرافة والدجل بعد قطيعة دامية مع العقلانية والإنصاف، نتبادل الصراخ وتضيع الكلمات والأفكار وسط هذا الصخب ولا نخرج في النهاية إلا بمزيد من الخبل والعبث.

بيننا من فتنته تجارب الماضى ومآسيه فإذا به اليوم يصر على استنساخها وكأن ما أصابنا من كوارث عقلية الماضى التي امتدت لعقود ليس بكاف! وإذا بنا اليوم نلبسه ثوباً جديداً مزركشاً وننادى على بضاعته ليشتريها الناس ليذوقوا نفس ما ناله آباؤهم وأجدادهم من بؤس وأسى، والعجيب أن نكون على حافة الهاوية، حيث تتلاعب الأمواج بالسفينة وبين ركاب السفينة من يهتف فرحاً ويتراقص منتشياً بالمصير الأسود الذي سيطاله ويطال الجميع.

الكراهية هي أحد أشد أسلحة الدمار الشامل وكم من شعوب ذاقت ويلاتها وسقط الملايين من أبنائها ضحايا لنار الكراهية، نحن لا نحارب الكراهية ولا نطارد من يصنعها بل نرعاها ونتبناها ونأوى من يعمقها ويسعر نارها كلما مضت للخفوت والانزواء، بيننا من يعتقد أننا سنسير للأمام بينما التمزق والشقاق يسود بلادنا والحقيقة أن الأمة المنقسمة لا تعرف طريقاً للمستقبل إلا إذا توحد شعبها والتقت غاياته وتركزت جهوده.

الخطأ الذي لا يمكن علاجه هو الخطأ الذي نرفض الاعتراف به، فيتحول إلى سلسلة من الأخطاء المتوالية التي تشد بعضها بعضاً وتسحبنا إلى حالة الإنكار الذي تخفق معه كل محاولات الإصلاح، وتخرس معه كل أجراس الإنذار، ولا يستفيق إلا على الاصطدام الكبير الذي يبعثر الأشلاء ويُعسر التئامها.

يقولون إن كل هذا صرخات في وادٍ ليس منها سوى رجع الصدى ونقول إن الأمل لا ينبغى أن يموت ولو التزم الجميع الصمت ترهيباً أو ترغيباً لظن الناس أننا في الاتجاه الصحيح، طوبى لمن يشير لعثرات الطريق ويحاول تمهيدها وطوبى لمن يكمل غرسته، وإن قامت القيامة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية