أصبحت ذكرى فض «رابعة» العيد القومى للإخوان المسلمون، ينتظرونه من العام للعام، لحشد الهمم والبكاء على الضحايا وترويع المواطنين بانفجارات هنا وهناك يعلن بها أعضاء الإخوان عن حربهم المقدسة على مصر ومن عليها.
الحديث عن المصالحة ودعوة حل الجماعة، التى يطلقها بعض قادة الإخوان ويلوحون بها وكأنها الراية البيضاء التى سيرفعونها ليدخلوا الملعب من جديد، تبدو متناقضة مع دعوات الجماعة للتظاهر فى ذكرى رابعة التى حولها الإخوان لكربلاء جديدة، مع الفارق.
المحزن أن قادة الإخوان يدعون للتظاهر فى ذكرى رابعة دون أدنى إحساس بالذنب والندم لما فعلوه فى الأبرياء الذين وثقوا بقادتهم، فضحى بهم هؤلاء فى رابعة ليكسبوا تعاطف العالم باعتبارهم ضحايا انقلاب عسكرى فاشى، لم يراعوا ولم يقدروا أن الأرواح البريئة أغلى من أى مغنم سياسى أو هدف تكتيكى.
يمر عام وبعده عام والإخوان على حالهم، لايفكرون إلا فى مصلحتهم الذاتية على حساب المجموع، يكسرون بذلك مبدأ إسلاميا أساسياً ينتصر للمصلحة العامة، فما اجتمعت عليه الأمة يجب أن يتبعه الأفراد، مضاعفة أجر صلاة الجماعة هدفه أن يكون المسلمون أخوة يجتمعون على الخير، تقربهم العبادات من بعضهم البعض.
لا أعرف حتى هذه اللحظة ما المردود السياسى أو الإنسانى الذى يعود على جماعة الإخوان من الاستمرار فى التفجيرات، وتصنيع القنابل البدائية لتوزيعها بعشوائية هنا وهناك ويكون ضحاياها جنودا وأفرادا آمنين لا ناقة لهم ولاجمل فى هذا الصراع برمته، ما الذى يستفيده الإخوان من تدمير أبراج الكهرباء وقطع التيار عن بسطاء الشعب فى هذا الجو الملتهب او تفجير قسم شرطة أو أتوبيس أو مبنى محكمة أو محطة مترو.. إلخ، ما الفائدة من دمار يدفع ثمنه شريكك فى الوطن.
لعل أحدا يجيب عن أسئلتى قائلا: «إنهم يحتجون على اعتقالات كوادرهم وأعضاء جماعتهم المحظورة، وأن المحاكمات والأحكام غير عادلة»، ربما يكون هناك قدر من التوسع فى اعتقال أعضاء الإخوان وما يتبع ذلك من إجراءات قد تشوبها بعض الشوائب، ولكن الإسلام الذى رفعوا شعاره بأنه هو الحل لما نحن فيه من مآس على الأرض، ينهانا عن الخلط ويحذرنا من أن نأخذ البرىء بذنب المخطئ، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، فهل يعتبرالإخوان أن الشعب كله مذنب مادام ارتضى السيسى حاكما؟ وبناء على ذلك لابد أن يدفع المصريون جميعا الثمن من حياتهم وأمنهم وملكياتهم.
كثيرا ما كتبت منتقدة بعض أفعال الحكومة والحاكم، فأنا أكتب ما أعتقد أن فيه الخير لمصر وللمصريين، لايشغلنى عتاب جهاز سيادى أو جهة حكومية، وكتبت كثيرا عن ضرورة تصالح الحكم مع شباب الثورة والإفراج عن كل من اعترض وتمرد دون أن يرفع سلاحا فى وجه شقيقه فى الوطن، ولكننى فى الحقيقة لا أستطيع أن أتسامح مع من يجد نفسه حتى هذه اللحظة أنه أفضل منى، وأن الله قد اصطفاه ليحكمنى، وإما أن يحكمنى أو يفجرنى، وليس أمامى خيار سوى أن أعيش تحت طاعته أو أموت برصاصته.
استثمار ذكرى رابعة، يذكرنى بمشهد رجل يحترق منزله على مرأى ومسمع منه، وبدلا من أن يهرول لإطفائه ينشغل بتصويره وهو يحترق ليخلد ذكرى الحريق، وفى ذهنه أنه سيربح أكثر من استثمار هذه الصورة فى استعطاف الناس واستغلال مأساته لجلب مصلحة أكبر.. تفكير شخص يهتم بالتسويق والتجارة أكثر من اهتمامه بضياع البيت والذكريات.
مصر لا تحتمل المزيد من الذكريات المريرة الحزينة، لو كنتم على الحق فاحتسبوا الله فى صمت وادعوا لوطنكم بالخير ولأبنائه بالسلام، وإلا سيكون صعبا عليكم الحياة فى بلد واحد مع أهالى الضحايا الأبرياء الذين يسقطون كل يوم جراء تفجير هنا وتدمير هناك وحكم يريد لمصر أن تسير قدما ولاتنظر وراءها بغضب.