x

عزت القمحاوي كارثة الوراق.. الإدارة بالدم والتعويض بالبركة! عزت القمحاوي الإثنين 27-07-2015 21:11


من المفترض ألا يكون رئيس الجمهورية مضطرًا لعقد اجتماع مع رئيس الوزراء لمناقشة حادث مرورى فى البر أو فى البحر، لكن ذلك الاجتماع يحدث بسبب فداحة الخسائر البشرية من جهة، ومن أجل البحث عن أسباب الحادث التى عادة ما تتوه مسؤوليتها بين مواصفات الطريق ومواصفات المركبة وسلوك السائق وسلوك المسعف، وأحيانًا ما يُدان الراكب المرحوم الذى لم يعرف كيف يركب!

وكلما اجتمع الرئيس برئيس الوزراء لمناقشة حادث من ذلك النوع الأليم يسارع الإعلام إلى تسويق الأمر باعتباره دليلاً على اهتمام الرئيس وسهره على راحة العباد، لكن الوجه المظلم فى الأمر هو غياب النظام وانعدام الكفاءة فى جهاز الدولة إلى حد اضطرار الرئيس للتوقف أمام التفاصيل.

عدد ضحايا كارثة الوراق 45 فى تصريحات الحكومة و75 عند ذويهم، وحتى لو كانت الحكومة تعرف عن القتلى أكثر مما يعرف ذووهم، فالرقم الذى تعلنه الحكومة مخجل بالنسبة لحادث فى نهر وسط مدينة. وقد تسبب الرقم فى وضع الكارثة على مكتب الرئيس ورئيس الوزراء. وقد أشار محلب إلى إجراءات الحكومة وهى: صرف 60 ألف جنيه لأسرة كل متوفى، سرعة علاج المصابين، تشكيل وحدة من وزارة التضامن الاجتماعى تتولى استقبال أهالى الضحايا ومساندتهم وتقديم الدعم لهم، وتشكيل لجنة برئاسته وعضوية وزراء الرى، البيئة، الداخلية، والعدل لمراجعة تشريعات إدارة النهر ومنظومة النقل النهرى... إلخ... إلخ.

بداية فإن الإجراءات الخاصة بتداعيات الكارثة هى من البديهيات ومن العيب الحديث فيها، ومن العيب أن تكون خبرًا من الأساس، فالعلاج بديهى ولا يصلح أن يكون خبرًا، والتوصية به تعنى كارثة فى المنظومة الطبية، والتعويض بديهى كذلك، لكن الغطاء التأمينى لمثل هذه الأخطار متوقف عند أرقام هزلية، وتضطر الحكومة إلى إعادة تسعير الإنسان ودفع فرق السعر بقرار من سلطة عليا، والسعر هزلى كذلك ومتفاوت بلا قاعدة مفهومة، لذلك فهو فى كل مرة جديد، ويتعامل الإعلام معه بوصفه خبرًا بارزًا، تضعه الصحافة فى عناوينها الرئيسية ويتصدر النشرات التليفزيونية!

بلغ سعر الإنسان فى كارثة الوراق ستين ألفًا من الجنيهات، وككل كارثة أشهر أهالى الضحايا غضبهم من لافتة أسعار أحبائهم المرفوعة بلا حياء، فالحياة جميلة حتى لو كانت فى الوراق، والموت لا تعوضه كنوز الدنيا.

وإذا لم تمتنع الحكومة فى القادم من الكوارث عن إعلان تسعيرة الإنسان، فلا أقل من أن يقوم الإعلاميون بمبادرة للاتفاق على إهمال هذه المعلومة المسفة، وإن كان هذا الامتناع سيعتبر تسترًا على جريمة القتل الثانى للقتيل «القتل بالتسعير»!

ما بعد البديهى فى تصريحات رئيس الوزراء أكثر كارثية، إذ يكشف عن أسلوب إدارى تشتهر به بلادنا هو «الإدارة بالدم» التى تقضى بعدم التحرك لإصلاح أى شىء إلا عقب وقوع كارثة، بينما مهمة القيادات السياسية الحقيقية أن تدرس كل المنظومات بمبادرة منها دون وقوع كوارث.

ولكل ما تقدم، لن تصلح لجنة دراسة منظومة النقل فى النيل أى شىء، أولاً لأنها ردة فعل، وثانيًا لأنها مجتزأة، حيث تكون إدارة الدولة منظومة واحدة تترابط منظوماتها الفرعية، ولو فرضنا جدلا قدرة هذه اللجنة على إصلاح منظومة النهر، فإنها لن تنفع دون وجود منظومة مرور سليمة على البر، ومنظومة طبية لائقة. وهذه الحقيقة البسيطة تغيب عن إدارة تختار قياداتها العليا من أبطال رياضة الجرى، وتقيس كفاءتهم بعدد جولاتهم الميدانية، لا بحجم عقولهم أو قوة خيالهم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية