صنع الموبايل علاقات جديدة بين الناس، على سبيل المثال كان عدم الرد أيام التليفون الثابت لا يعنى أى شىء غير عادى، فليس من الضرورى ولا من المعقول أن يجلس الإنسان بجوار التليفون طوال الليل والنهار، ولكن الآن أصبح عدم الرد على المحمول يؤدى إلى غضب المتصل لأنه يفترض أنه فى جيب صاحبه مادام محمولاً، خاصة إذا كان رقم الطالب يظهر اسمه، وكأن صاحب المحمول أجير لديه.
وكما صنع الموبايل علاقات جديدة، صنعت فضائيات التليفزيون، التى تبث على مدار اليوم من دون توقف وتتنافس بضراوة على الإعلانات، أخلاقيات جديدة، أو بالأحرى انتهكت حرمة كل شىء، بما فى ذلك جنازات وعزاءات نجوم السينما والشخصيات العامة الأخرى، حتى تحولت ساحات المساجد والكنائس بل ساحات المقابر إلى بلاتوهات للتصوير والمنافسة فى التسجيلات، ولم تبق سوى سجادة حمراء تفرش فى الجنازات والعزاءات كما فى افتتاح وختام المهرجانات، بل لقد حاول البعض نزع غطاء الجثمان وتصوير الميت بحثاً عن الانفراد بصورة، وأيام القنوات الأرضية لم يكن مسموحاً بإذاعة صورة أى ميت أو قتيل.
وليس المطلوب بالطبع منع التصوير، فالناس فى البيوت تريد المشاركة فى الأفراح والأحزان المتعلقة بالشخصيات العامة أو الأحداث المؤثرة فى حياتهم، ومن واجب المصورين المنافسة فى تغطيتها، ولكن المطلوب أن يكون التصوير منظماً ولا يؤدى للفوضى والمناظر المؤذية لمشاعر كل من يشاهدها.
وليس من المعقول أن نطالب أسرة المتوفى قبل الجنازة أو العزاء بأن تنشغل بتنظيم عمل المصورين، أى أن يكون لكل مصور مكان محدد لا يتحرك منه على الإطلاق، كما فى كل المناسبات المنظمة المتحضرة، ولذلك لابد أن تكون هناك جنازات وعزاءات «رسمية»، أى تنظمها الحكومة أو الرئاسة أو وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية للشخصيات العامة، وكل من يلف جثمانه بعلم البلاد، مثل جنازات شهداء الشرطة والجيش، وجنازة المستشار هشام بركات، وغيرها من الجنازات الرسمية.
هذا هو الدرس الذى يجب أن نتعلمه من جنازات فاتن حمامة وعمر الشريف ونور الشريف.