اللهب يدخل من أي ثُقب متاح، أجهزة التكييف والمراوح، الله يعينها، لا تتوقف عن العمل، الأحمال تفوق المتوقع، الجهاز الوحيد الذي خرج من الخدمة السخّان، المياه في الصنبور تظل دافئة طوال الليل.
مصطلح الاحتباس الحراري أصبح يتردد كثيرًا هذه الأيام، آخر مرة سمعته كان بالأمس من صديقتي التي مات كلبها الوفي نتيجة هذا الاحتباس الذي يتحدث عنه الجميع باعتباره سبب الوفيات التي ترتفع يومًا بعد يوم في مصر.
كوكب الأرض داخل على مرحلة احتباسية حذّر منها العلماء طويلًا، الإنسان يفسد في الأرض ويحصد ما زرعه، بدأت تختمر في ذهني فكرة الرحيل لكوكب تاني مثل مدحت صالح، أقضى فيه البقية الباقية من العمر في سلام دون احتباس حراري وحرقة دم.
غالبًا سيكون الاختيار الكوكب الأحمر: المريخ، فكرت في ترتيبات الهجرة وتكاليف المعيشة والحقائب التي سأحملها معي ومحتوياتها، وفي أثناء ذلك قفز إلى ذهني سؤال: ماذا لو وجدت حكومة مثل حكومة محلب هناك في كوكب المريخ وربما يكون الأمر أسوأ، كيف يمكن لي ولغيري التمرد والثورة، وهل سنجد سلالم مثل سلالم نقابة الصحفيين لنتظاهر عليها، أو ميدان التحرير نتجمّع فيه؟؟
عدت لتقرير نشرته «بي بي سي» من مدة ولم أُعِره اهتمامًا في ذلك الحين، فلم أكن أفكر، وقتذاك، في الهجرة من كوكب الأرض، التقرير كتبه الصحفي العلمي ريتشارد هولينجهام عن اجتماع مجموعة من 30 شخصًا، مكونة من علماء ومهندسين وعلماء اجتماع وفلاسفة وكُتّاب مهتمين بشؤون الفضاء، في مقر «جمعية الكواكب البريطانية» بلندن، لدراسة إمكانية الإطاحة بالأنظمة المستبدة في مستعمرات الفضاء المتوقع أن يعيش فيها البشر مستقبلًا على كوكب المريخ، سبحان الله، الناس دي بتفكر لنا كويس، هذا الاجتماع كان المؤتمر السنوي الثالث لحرية الفضاء. في العام الماضي بحث المؤتمر مسألة كتابة دستور لمستوطنة بشرية تقام في الفضاء، وانتهى المؤتمر إلى أن المستعمرات الفضائية عليها تصوغ دساتيرها بناءً على قواعد الدستور الأمريكي، أمريكا برضه هتسيطر على المريخ!!!!.
يقول تشارلو كوكيل، المشرف على تنظيم المؤتمر، وهو أستاذ البيولوجيا الفلكية في جامعة أدنبره: «نقوم هذا العام ببحث ما يمكن أن يحدث إذا لم تعجبك حكومة شكّلتها وتريد الإطاحة بها في الفضاء، نأمل في أن تساهم نقاشاتنا في وضع اللبنة الأولى للحريات خارج نطاق الأرض. إن لدينا فرصة للتفكير في المشاكل التي يمكن أن تقع في الفضاء الخارجي قبل أن نذهب إلى هناك».
السيناريوهات التي رسمتها المجموعة في لندن يمكن تخيلها بشكل أسهل إذا فكرت بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه المستعمرة الفضائية في المستقبل. فربما تكون مستوطنة تغطيها قبة يعيش تحتها عدة مئات من البشر تحت سماء فضائية رقيقة، وسيكون مركزًا بشريًّا معزولًا، يقع على بُعد 225 مليون كيلومتر من الأرض، ويحكمه ديكتاتور يتحكم مساعدوه في مولدات الأكسجين، وهي مصدر استمرار الحياة، يعني الديكتاتور هنا في الأرض أو هناك في المريخ معاه مفاتيح الحياة.
الفرق أن العنف في الفضاء معناه الموت للجميع، كما يقول كوكيل: «لو لجأ أحدهم إلى الثورة للتخلص من حكومته التي لا يحبها، فيقوم بتحطيم النوافذ مثلًا، وتحطيم ما يحيط به في ذلك المكان، فسوف يفقد المكان ضغط الهواء ويتلاشى الأكسجين، ويموت الجميع». إذن، كيف يمكنك ممارسة المعارضة في بيئة يؤدي فيها العنف والتمرد إلى موت الجميع؟.
الوقاية غير من العلاج، كما يقولون، هذا ما يقوله كوكيل: الإجابة عن السؤال تكمن في منع ظهور الحكام المستبدين من البداية. ويمكن الحصول على ذلك بوضع قواعد لوسائل المعارضة السلمية، ربما عن طريق أنظمة عمالية منظمة، مشابهة للنقابات على كوكب الأرض، أو عن طريق محاسبة ومراقبة أداء القيادة من خلال الصحافة والإعلام.
كوكيل يحذر من: «إذا لم تكن هناك صحافة حرة في الفضاء الخارجي، فستنشأ لديك مشاكل عويصة». يعني هنا برضه زي هناك.. طيب وبعدين.. لو المطبلاتية قرروا الهجرة هيفسدوا المريخ أيضًا.
عند هذا الحد توقفت عن القراءة، المشاكل تقريبًا هي نفسها وحظ المصريين على المريخ لن يكون أفضل مما هو على الأرض، نقضيها هنا وخلاص، احتباس يفوت ولا حد يموت، الكوكب اللي تعرفه أحسن من الكوكب اللي متعرفوش، على الأقل طول النهار نكسّر في بعض ولسه فيه هواء بنتنفسه.