x

محمود التميمي الإعلام المصرى بين ناقد وناقم محمود التميمي السبت 15-08-2015 21:21


هل أتاك حديث البث المشترك للقنوات المصرية يوم افتتاح قناة السويس الجديدة؟.. ربما قد جاءك من ناقل أو ناقد أو ناقم.. أما الناقل فهو من رأى وسمع فوصف، وأما الناقد فمن تدبر وفهم فنقد، وأما الناقم فمن انتظر ما الذي سيقوم به الإعلام المصرى في هذا اليوم ليظهر نقمته من باب الاعتياد.. الإعلام المصرى فاشل.. الإعلام المصرى غير مهنى.. الإعلام المصرى اكتفى بالفرجة.. تلك ملامح رؤية ناقمة، لكن من المفيد التعامل معها كرؤية نقدية قد تكون أهم بكثير من التشجيع والمديح، لأن النقد في حالة مصر فرض عين وواجب، لا مفر منه، وإلا تاه الطريق وتخيل كل صاحب سلطة أنه المنزه عن الخطأ، وهذا ما لا نحتاجه.

لكن كى لا يتحول الناقد إلى ناقم، فلا يستفيد أحد من نقمته تلك ويضيع جهده فيما لا يفيد، فلا ضير من التثبت والسؤال وتحرى الدقة وإيراد خلفية الحدث بشكل عادل، وتلك قيم من المفترض أن تكون في صدارة أي مدونة سلوك للإعلام الذي أتمناه في مصر، ولذلك فاتحت «المصرى اليوم» في فكرة رواية القصة الكاملة للبث المشترك بين القنوات المصرية يوم افتتاح القناة الجديدة، في شهادةٍ ربما تحوى ما يقال لأول مرة، وربما تهم كل حريص على الإعلام المصرى الذي يحتاج إلى جهود الجميع للنهوض به والارتقاء بمهنيته ومعاييره، التي لم يجد من يضعها حتى الآن، رغم نداءات متكررة من هنا وهناك.

بدأ الأمر بفكرة نبيلة المقصد من الزميل خيرى رمضان.. تخيل الرجل أن جميع القنوات المصرية لابد أن تظهر بالمظهر المشرّف يوم افتتاح قناة السويس الجديدة، ولهذا دعا إلى الفكرة وتبناها.. لكن نجاح فكرة كتلك لا تكفيه النوايا الحسنة فقط، فكان على الزميل خيرى رمضان محاولة توصيل القنوات بين من سينظم الحفل ويمنح التصاريح في هذا اليوم وبين من سيتولى الإنتاج وتوفير المعدات وخلق استوديو كامل وسيارات بث مباشر واحتياجات لوجيستية، لا أبالغ حين أقول لا آخر لها.. على الفور، اجتمعت القنوات مع الشركة الفرنسية التي تولت تنظيم حفل افتتاح قناة السويس.. حتى الآن لم تظهر في الصورة رئاسة الجمهورية التي تخيل البعض أنها كانت وراء فكرة البث، وتخيل الأعزاء الناقمون أنها وجهت أو ضغطت لتحقيق تلك الفكرة.. هنا من حق جميع من شارك في هذا اليوم المشرف أن يضحك ولكن بمرارة، لأن ما عاينه بنفسه يناقض ذلك تماما.. قدمت الشركة الفرنسية تصورا صادما في اجتماع عُقد في مكتب الزميل سمير يوسف في مقر «سى بى سى»، بحضور رؤساء جميع القنوات، وقد شهدت هذا الاجتماع، وشهدت الصدمة من عدم توفير الشركة الفرنسية الاحتياجات المطلوبة لإتمام البث المشترك.. ساد الجدل بين الحضور للحظة قبل أن أطلب الكلمة وأسأل الحضور والزميل سمير يوسف: هل موضوع البث المشترك مفروض من أي جهة أم هو مبادرة من القنوات؟.. فجاء الرد بأنه مبادرة ولم يطلبها أحد.. فقلت على الفور بصوت عال سمعه الجميع: إذاً هو على مسؤوليتنا، وإما أن يخرج هذا البث بشروطنا فنيا وإخراجيا، وإما لا داعى له.. نحن نريد تقديم يوم يتجرد فيه المشاركون من كل المصالح الشخصية أو الخاصة بقنواتهم، ويكون الهدف هو مصر وفقط.. لذلك فلنتحرَّ تقديم الأفضل في كل شىء.. اقترح الزميل سمير يوسف إرسال رسالة رسمية للشركة بهذا المعنى، وأن القنوات لا ترغب في فكرة البث المشترك في حال لم تقدم الشركة الفرنسية التسهيلات المطلوبة، وخرجنا يومها من الاجتماع والقرار الأخير أن لا بث مشتركا إلا في حال الاستجابة لأبسط الطلبات، وهى توفير مكان يطل على القناة، والسماح بالعدد المطلوب من العناصر الفنية والصحفية، وسرعة إصدار التراخيص.

في اليوم التالى، كان رد الشركة الفرنسية المنظمة للحفل بالموافقة على تلبية الطلبات الأساسية، وتقرر عمل معاينة على الطبيعة لاختيار المكان.. في اليوم التالى اجتمعنا وقرر المجتمعون تشكيل لجنة مصغرة للإشراف على البث المشترك، الذي سيتم بمشاركة ١٨ مذيعا ومذيعة من ٩ قنوات تتحمل تكلفة البث كاملة وبالتساوى، حيث تم تقدير تكلفة البث، ودفعت كل قناة نصيبها في التكلفة في هذه الليلة، وتولى عملية إدارة الإنتاج الزملاء عصام التونى من «صدى البلد»، ومحمد رشاد من «سى بى سى»، ومعهما مى مجدى.. كما تم الاتفاق على أن يتولى رئاسة تحرير اليوم ثلاثة، هم: خالد مرسى، وعمرو الخياط، ومحمود التميمى، وبدأنا في التخطيط لليوم: متى سيبدأ البث؟.. من سنستضيف؟.. وكيف سنعمل هناك في ظل منع اصطحاب الهواتف المحمولة واحتمالات عدم وجود إنترنت للظروف الأمنية؟.. لم ندع للصدفة مكانا وفكّرنا في كل احتمال.. لكن في نفس الليلة أُبلغنا بأن التصاريح لم تصدر بعد.. اجتهد الزملاء خالد مرسى وسمير يوسف وعماد ربيع في الاتصال بالدكتور سامى عبدالعزيز والشركة الفرنسية عشرات المرات دون ردود واضحة بشأن التصاريح.. كان الزملاء ميلاد أبى رعد وإيهاب أبوزيد ومحمد بدوى من الإخراج قد سافروا بالفعل إلى الإسماعيلية، وشرعوا في بناء الديكور في درجة حرارة قاسية ووقت قياسى ليخرج الأمر في أفضل صورة.. مضت الساعات والتصاريح لم تصدر.. الشركة الفرنسية اختفت، لا ترد على الاتصالات.. الخطة تقول إن البث سيبدأ في الثامنة من صباح اليوم التالى.. بينما يشعر الجميع بأن التغطية في خطر، لأن حضور عدد من رؤساء وملوك العالم سيفرض بالتأكيد تأمينا صارما.. ولن يدخل منطقة الحفل إلا من يملك تصريحا واضحا ومعترفا به، وذلك ما لا نملكه حتى وقت متأخر للأسف.. كنا في مكتب سمير يوسف ومعنا عمرو الخياط، مدير «صدى البلد»، وجمال الشناوى، رئيس تحرير «أون»، وعماد ربيع، مدير عام الإنتاج في «سى بى سى»، ومحمود التونى، نائب مدير «الحياة»، وخالد مرسى، رئيس تحرير «النهار»، بينما يهدد الأمر كله شبح الإلغاء.. وكان الزميل خيرى رمضان على الهواء يستضيف المطربة مروة ناجى.. قررنا دخول الاستوديو في الفاصل لنبحث معه الأمر، باعتباره صاحب المبادرة، ففوجىء كما فوجئنا باختفاء الشركة الفرنسية، الطرف الوحيد المنوط به إصدار التصاريح وتسهيل العمل.. قام بالاتصال على الفور بعدد من الأطراف التي اجتهدت في توفير حل لإنقاذ الموقف، وحصلنا على وعد بتوفير أتوبيس مزود بتصريح مرور لنقل المذيعين من القاهرة إلى الإسماعيلية، حيث لن يُسمح بمرور السيارات الخاصة.. خرجت يومها من مدينة الإنتاج الإعلامى قرب الفجر دون نوم مثل أغلب الزملاء، لنلحق في الخامسة فجرا بالحافلة المصرح لها بنقل الجميع إلى الإسماعيلية.. وصلنا استاد الدفاع الجوى في الخامسة، ورأيت كل الزملاء المذيعين وعلى وجوههم علامات الإرهاق وعدم النوم، يستعدون للسفر، بينما وصل الخبر من الإسماعيلية بأن تصاريح الزملاء الفنيين لم تصدر، وأن إجراءات الأمن لن تسمح لأحد بعبور القناة ودخول منطقة الحفل إلا بدعوة أو تصريح.. وهنا قرر الزملاء أن السفر لن يكون مفيدا في ظل غياب التصاريح، وأن الظهور من استوديوهات المدينة الخيار الوحيد المتاح رغم تمكن طواقم القنوات المتعاونة بحماس من بناء الديكور وتوفير استوديو ملائم في وقت قياسى.. لكن الشركة الفرنسية كانت غائبة عن حالة الحماس تلك التي دفعت الجميع في تلك اللحظة لفعل أي شىء لإنجاح التغطية.. وبالفعل، تحرك الجميع إلى مدينة الإنتاج الإعلامى في حالة من الإحباط لم أشهدها في حياتى.. لكن بارقة أمل وحيدة ظهرت لإنقاذ جهد الزملاء هناك في الإسماعيلية حين اقترح أحد الزملاء الاستنجاد بأعلى سلطة في البلاد بمكتب رئيس الجمهورية للتدخل، ربما تفيق الشركة الفرنسية وموظفوها ويدركون خطورة الموقف، وكان هذا الظهور الأول لمكتب الرئيس السيسى في ذلك الحدث.. البعض استبعد تدخل مكتب الرئيس.. هل يعقل في يوم كهذا أن يعطيك مكتب الرئيس من وقته وجهده بينما تتأهب مصر لاحتفال القناة الجديدة بعد دقائق؟!.. قلنا سنجرب وفى قلوبنا أمل تحقيق البث المشترك الذي تمنينا حدوثه، وبذلنا من أجله جهدا كبيرا.. لا أستطيع أن أفصح عن كل ما عندى من معلومات، لكن الأكيد أن مكتب الرئيس السيسى بذل في تلك الساعات من صباح يوم الاحتفال مجهودا خارقا مع كل الجهات للسماح لطواقم العمل والمذيعين بالتواجد وإتمام البث.. مجهودا كان من المفترض أن تقوم به الشركة المنظمة للحفل، والتى حرصت على جمع الخيوط في يدها من اللحظة الأولى.. مكتب الرئيس في هذا اليوم قدم للإعلام المصرى مساعدة وطنية لم يكن مجبرا عليها، ولم يفرض أو يوجه أو حتى يطلب من القنوات المصرية الفضائية أي طلب.. فقط ساعدونا لنبدأ الرحلة من القاهرة إلى الإسماعيلية، بل أرسلوا حافلة تابعة للرئاسة إلى مدينة الإنتاج الإعلامى لنقل الجميع إلى الإسماعيلية لكن بعد التوجه إلى أحد المقار لتسلم تصاريح الدخول للجميع التي صدرت على مسؤولية مكتب الرئيس بينما لم تصدر تصاريح الشركة الفرنسية بعد!!

كل ذلك أخّر وصولنا إلى مكان الحفل لما بعد الساعة الواحدة والنصف ظهرا، وكان الرئيس قد بدأ في الاحتفال فوق يخت المحروسة، وبذلك فقدنا ست ساعات كانت مخططة للبث من الثامنة صباحا.. وكنا قد خططنا أن نقدم فيها من النقاشات والضيوف الكثير والكثير.. لكن الواقع تغير، وعلينا التعامل معه، فكان القرار بالظهور في الفترة التي لا ينقل فيها التليفزيون الاحتفالات، وهى من الخامسة «بعد كلمة الرئيس» وحتى السابعة «موعد الحفل الفنى»، واتفقنا على توزيع مقدمى البرامج بحيث يظهر نحو ١٦ مذيعا ومذيعة على أربع فقرات، كل فقرة نصف ساعة، وكان هذا تحديا كبيرا.. جميع الزملاء كانوا على قدر الصعاب، والكل أنكر ذاته في سبيل نجاح التغطية.. الاحتياطات الأمنية كانت أكبر من أن تسمح لنا بحرية الحركة.. بصعوبة استطعت الوصول إلى الدائرة الضيقة، وفيها محمد بن راشد، حاكم دبى، ونبيه برى، رئيس مجلس النواب اللبنانى، وطلبت منهما استضافتهما على الهواء، لكن طواقم الأمن التي صاحبتهما قررت أنه غير مسموح بالخروج عن خط الزيارة، وأن جميع الضيوف سينتقلون إلى جزيرة الفرسان فورا لتناول طعام الغداء مع الرئيس السيسى.. لم يكن بوسع رؤساء العالم وملوكه ترك مأدبة الرئيس المصرى للظهور في مقابلة تليفزيونية!!

لكن مع صعوبة الأمر، ظهر مع الزملاء ضيوف كان من الجيد الاستماع إلى انطباعاتهم في يوم احتفالى بامتياز، وهم: الشيخ أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الإسلامية، والمهندس عبدالحكيم عبدالناصر، نجل صاحب قرار تأميم القناة، وكان مهماً الاستماع إليه في يوم كهذا، والفنان المخرج خالد يوسف، وعبلة عبداللطيف، رئيس المجلس الرئاسى للتنمية الاقتصادية.. وتحدث في ساعتين ونصف الساعة ١٦ من نجوم الإعلام في مصر، في حدث وطنى جامع.. هذا الإعلام الذي لاشك يحتاج إلى الإصلاح لكنه أيضا يحتاج إلى الدعم.. يحتاج إلى التشجيع حين بادر بتلك المبادرة الوطنية النبيلة لتوصيل فكرة مفادها أننا في الملمات واحد، وأن الإعلام المصرى قد يخطئ أياما كثيرة لكنه يصيب في أيام مهمة وتاريخية بمعنى الكلمة.. هذه شهادة لله والوطن عن يوم صعب سبقته أيام صعبة، وعن رجال استطاعوا أن يحققوا الهدف من هذا البث المشترك، وهو أن المصريين متنوعون، ويختلفون فيما بينهم كل الاختلاف.. لكن حين يتعلق الأمر بوطنهم فكلهم واحد وعلى استعداد لتلبية النداء.. دون حتى أن يكون هناك منادٍ أو «جوبلز» كما تخيل بعض الأصدقاء.. عمرك سمعت عن «جوبلز» يوجه الإعلام ورجاله ويحركهم ثم يتركهم حتى دون تصاريح أمنية كان من السهل جدا إصدارها لو أنه صاحب الفكرة؟!.. أصلا مجرد التحدث بهذه الطريقة وافتراض وجود شخص واحد في الكواليس يوجه الإعلام ويحرك ويأمر وينهى.. هذا تقليل رهيب من قدر هذا الشعب بعد ثورتين كان للإعلام دور بارز في كلتيهما.. المصريون في واقعهم تخطوا هذا وعياً وحركةً وتمرداً.. تخطوه إلى الأبد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية