x

مكاوي سعيد اعترافات الفيلسوف جان جاك روسو مكاوي سعيد الخميس 13-08-2015 21:35


مرت أعوام ثلاثة على المئوية الثالثة لمولد الفيلسوف الكبير «جان جاك روسو» الذى من أصول فرنسية تنتمى للمذهب البروتستانتى، وقد ولد بمدينة «جنيف» فى 28 يونيو 1712 وتوفى فى الثانى من يوليو 1778، وتوفيت أمه عقب ولادته مباشرة فبقى فى كنف والده الذى اشتهر بميله إلى الخصام والمشاجرات، ونتيجة لإحدى هذه المشاجرات فى عام 1722 اضطر والد «روسو» إلى الهرب من جنيف تاركا ابنه فى رعاية عم الصبى، وكان لهذه البدايات الشاقة تأثيرات مضنية على الصبى الصغير دفعت به إلى الهرب من جنيف أيضا فى عام 1728 وبدأ حياة من الضياع، ومن الفشل فى أعمال كثيرة. لكن كانت الموسيقى تستهويه دوماً، وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى.

ومن أشهر إبداعاته كتابه الشهير «العقد الاجتماعى» الذى صدر عام 1762، وكان مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية أو الثورات فى أوروبا، خاصة الثورة الفرنسية. لكن كتابه الأهم فى اعتقادى هو «الاعترافات» الذى نشر الجزء الأول منه بجنيف عام 1782 والثانى فى 1789، و«روسو» كتب فى ديباجة الجزء الأول منه (وليدوّ صور يوم الحساب متى يشاء، فلسوف أتقدم إلى الديّان الأعظم وبيدى هذا الكتاب.

ولسوف أقول جاهرًا: هذا ما فعلتُ، وهذا ما جرى به فكرى، وهذا ما كنتُ عليه. وقد قلتُ الخير والشر بالصراحة نفسها. فما سكتُ عن قبيح، ولا أضفتُ من شىء حسن. ولئن اتفق لى أن عمدت إلى بعض التنميق الذى لا طائل تحته، فلم يكن ذلك قط إلا سدّاً لثغرة سببها وهنُ الذاكرة). كان اعتراف «روسو» بمثابة ثورة ألهبت أوروبا ومعظم القارات ولا تزال.

ولم يترك «روسو» شاردة ولا واردة إلا ذكرها بداية من سرقاته الصغيرة لأشياء اشتهاها ولم يكن بمقدوره الحصول عليها إلا بالسرقة، ثم التحرشات الجنسية التى تعرض لها صغيرًا من رجال دين وثق فيهم، وأعقبها تحرشاته بالفتيات والتلصص عليهن، وكتاب الاعترافات حافل بكل ما هو طريف ومسل ومؤلم وهو قريب بعض الشىء من المذكرات التى تروى أياماً معينة وتصف مجتمعات معينة، والأهم فى ظنى هو سبب كتابته هذه الاعترافات؛ ليس بقصد الفضح أو الشهرة أو إدانة مجتمعات لم يقدر على نقدها فى العلن!

فقد عمل روسو فى بداية شبابه لدى أسرة أرستقراطية عطفت عليه فجعلته يقرأ لها ويؤدى بعض المهام الخفيفة، وكانت لهذه الأسرة طاهية جميلة ووديعة وطيبة اسمها «ماريون» وقد فتن بها «روسو» فسرق شريطا لا قيمة له من البيت ليمنحه لها، لكن أهل البيت اكتشفوا سرقة الشريط ووجدوه بين متعلقات «روسو» الذى اتهم الفتاة بإهدائه له، فلما حضرت الفتاة وعرضوا عليها الشريط وأخبروها بأن روسو يتهمها، لم تنطق وروسو يغالى فى إهانتها، ثم خاطبته تناشده أن يثوب إلى نفسه ولا يشين فتاة بريئة لم تؤذه قط، لكن روسو استمر فى عناده فانفلتت وهى تقول: آه روسو! لا أتمنى أن أكون بموقفك.

وطُرد كلاهما..ولم يرها روسو بعدها مطلقا ولا يدرى إلى أين أضنى بها وهى حديثة السن ستلاحقها تهمة السرقة إلى الأبد؟..

وظلت هذه الذكرى الأليمة تكدره حتى آخر عمره، وكان هذا هو السبب الحقيقى لكتابته الاعترافات.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية