ظل حلم الفنان نور الشريف طيلة حياته تمثيل دور الحسين فى مسرحيتى «الحسين ثائراً» و«الحسين شهيداً»، للكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى، ورغم كل هذه النجاحات التى حققها نور، ورغم كل تلك الأدوار التى جسدها بداية من قاع المجتمع لطبقته الأرستقراطية، من المجرم إلى الفيلسوف، ومن عبدالغفور البرعى إلى ابن رشد، ومن سائق الأتوبيس إلى حاكم الدولة وخامس الخلفاء، رغم كل هذا ظل حلم الحسين يراوده، لدرجة أنه كان يحفظ مونولوجاته الشخصية عن ظهر قلب، لم يُثْنِه إحباط عبدالله غيث واكتئابه، بعد أن كانت المسرحية قاب قوسين أو أدنى من العرض بقيادة المخرج كرم مطاوع،
ثم صدر قرار المنع، وبعد البروفات التى كان يحضرها المهتمون والمنتظرون لهذا الحدث المسرحى الجلل، والتى كان يتألق فيها غيث، أنتونى كوين الشرق، كما لم يتألق ممثل فى العالم، فتشرب الشخصية وتقمصها وتلبسته، رغم كل هذا كان نور الشريف يراهن على تحقيق الحلم ويراهن على أنه سيتألق فى دور عمره، مهما كانت التحديات، لدرجة أنه كان مستعداً للاعتزال- بعد عرض المسرحية- كأروع ختام لرحلته الفنية الثرية، لكنه مات ولم يتحقق حلمه، أعرف أن تكريم المهرجانات لاسم نور الشريف مهم، وإطلاق اسمه على شارع أو قاعة مسرح أو دار سينما شىء عظيم، لكن التكريم الحقيقى والأهم يكون بتحقيق حلمه وعرض مسرحية الحسين من خلال زملائه وتلاميذه المستعدين لأداء أدوار المسرحية بدون مقابل، تكريماً لقيمة وقامة نور الشريف، ولابد أن تكون تحت رعاية وزارة الثقافة، حتى يكون للحدث معنى أكبر وللمسرحية دلالة أعمق، لكننا سنواجَه بالطبع بعقبة رهيبة،
وهى وزير الثقافة نفسه، وهنا ستظهر خلفية وزير الثقافة الأزهرية وتأثيرها على قراراته وأفكاره، أريد أن أسمع منه تصريحاً عن رأيه فى هذا الاقتراح، وعن رأيه أيضاً فى المسرحية إذا كان قد قرأها أصلاً ولم يكن يعتبرها نجاسة شيوعية أو فكرة شيعية أو خروجاً ومروقاً عن المعلوم من الدين بالضرورة! إذا كنتَ قد قرأتها سيادة الوزير فهل ستغلب وجهة نظرك الثقافية الداعمة للفن أم ستخضع لرأى شيخ الأزهر السابق د. عبدالحليم محمود الذى كان على خلاف رهيب مع الشرقاوى؟! هل ستتبنى وجهة نظر زملائك فى الأزهر المرعوبين من تجسيد شخصية الحسين، خوفاً من وهم اسمه دخول مصر فى كنف ومذهب الشيعة؟! هل ستسأل نفسك سؤالاً بسيطاً قبل أن توقع برفض عرض المسرحية عن المقولة أو الفزاعة التى يروج لها زملاؤك الأزهريون بأنه عيب تجسيد الصحابة، حتى لا تتم إهانتهم على الشاشة؟! السؤال الذى أرجو أن تسأله لنفسك هو: هل أُهين بلال وخالد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم من رموز الإسلام عندما جُسدت أدوارهم على الشاشة؟! اسأل نفسك- خالعاً ثوبك الأزهرى العظيم الجليل الرافض تجسيد الصحابة العشرة المبشرين- اخلع هذا الثوب، ولو لثوان قليلة، واسأل نفسك وزملاءك: هل عمار بن ياسر وبلال أقل إيماناً من الزبير وطلحة مثلاً لكى أسمح بتجسيد الأول غير المذكور فى التبشير وأرفض تجسيد الثانى المبشر؟! اسأل نفسك أيضاً عندما عُرض مسلسل عمر بن الخطاب على قناة سعودية!!! ومن المؤكد أنك شاهدت- ولو حلقة منه- وقد ظهر فيه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، بالطبع، لأنه عماد المسلسل وبطله الرئيسى ومعه أبوبكر الصديق وعلى بن أبى طالب،
كرم الله وجهه، ومعهم كل المبشرين بالجنة، المرفوض تجسيدهم من قبل الأزهر، هل اعتبر المصريون هذا المسلسل إهانة وقاطعوه أم انتظروه وأقبلوا على مشاهدته واعتبروه نوعاً من الثقافة التاريخية فى زمن الجدب والفقر الثقافى وكراهية القراءة والاطلاع، خاصة لكتب التراث الصعبة على الأجيال الجديدة؟! احسم أمرك معالى الوزير، وقل لنا إلى أى فريق تنتمى: فريق رئيس قسم الحديث الذى أفتى بمنع الفن أصلاً وأعقبه بفتوى رضاع الكبير، أم فريق الفن الرفيع الراقى، الذى ينتمى إليه عبدالرحمن الشرقاوى الذى كتب «محمد رسول الحرية»، و«على إمام المتقين»، وأيضاً كتب مسرحية الحسين المحبوسة فى الأدراج، خوفاً من غضب الأزهر، وانتظاراً لموافقة وزير من الأزهر؟