x

جمال الجمل أنت.. قبل السيسي جمال الجمل الخميس 13-08-2015 04:01


لم يعد يروقني الكلام عن وقائع الفساد المتفشي في بلدنا كالوباء، ولا عن العجز والأخطاء المزمنة التي ترهق مصر في كل المجالات (فالجميع يعرف كل هذه المساوئ وأكثر منها)

يروقني أن نتكلم لنتعلم، أن نختلف لنأتلف، أن نعارض وننتقد ونخالف لنكرس ديموقراطية التعدد والثراء، دون أن يجرنا الخلاف إلى التناحر، والاختلاف إلى البلبلة والتشتت.

في تاريخ الأمم، (كما في عمر الفرد) هناك فترات مصيرية لابد من التعامل معها باعتبارها «لحظة قدر»، وفترة «تقرير مصير»، وفي تقديري فإن مصر والمنطقة كلها في لحظة مهمة من أهم لحظات «تقرير المصير»، وبالتالي «تحديد المسير»، فكما ترتبط فكرتي «السيرورة والصيروة» بالكون، ترتبط فكرتي «المسير والمصير» بالمجتمعات الإنسانية، فمن خلالهما تتجلى أمامنا قدرة أي مجتمع على صناعة مصيره، وهي مهمة جذرية تحتاج إلى رؤية للواقع الموجود، وتحديد للهدف المنشود، وتشخيص المشكلات والتحديات المختلفة التي تواجه هذا المجتمع في الداخل والخارج، وتحديد أفضل الحلول والأدوات لمواجهة هذه التحديات، وحساب القوى الداعمة والقوى المعطلة، ثم تحديد جدول زمني للحل، علاقة الحل بالزمن تسمى «مسار»، وهذه المسارات هي التي تقودنا إلى المستقبل الذي نسعى إليه، فليس هناك مستقبل «حصري» يسعى إليه الجميع على اختلاف ثقافاتهم ومتطلباتهم، المستقبل هدف يحدده كل شخص وكل مجتمع حسب ظروفه وإمكانياته بشرط أن يضعه في الصفوف الأولى في زمنه، وهذا يقتضي أن يكون لدينا «ماكيت» للمستقبل يوضح لنا صورة المكان والزمان الذي نخطط للعيش فيه ونسعى إلى بنائه، لابد أن نحدد أي مستقبل نريد؟، حتى لا نجد أنفسنا بعد هدر الزمن وضياع الفرص، في وضع أكثر بؤسا وكابوسية.

لقد أسرفنا في الأنين والشكوى، وهي مرحلة مبكرة للإعلان عن المرض بتأوهات الألم، لكن الاكتفاء بالأنين لا يقدم «روشتة» للشفاء، ولا يقدم برنامجا عمليا للحياة بعد الشفاء، فالأنين ليس عقلانيا، وليس نقاشا، وليس تفكيرا، وليس سيرا نحو هدف، وبالتالي فإنه لن يجلب أكثر من الشفقة والتعاطف، وكلمات المواساة.

وإذا نظرنا لحالنا منذ سنوات سنكتشف أننا غارقون في كل هذه الممارسات المرضية، لقد نسينا خطة العمل، وكل مانفتش عنه هو الحصول على شهادة مرضية تبرر لنا الانقطاع عن العمل، وبطالة الفكر والإنتاج التي سقطنا فيها منذ ارتكب السادات في منتصف السبعينات خطيئة التبعية تحت مسمى «الانفتاح الاقتصادي».

على السيسي أن يفكر في صورة ذلك المستقبل المنشود لمصر، وعلى كل مواطن أن يفكر بنفس الدرجة من الجدية والاهتمام، علينا جميعا أن نسأل أنفسنا بوضوح: كيف نستطيع أن نشرب كوب ماء نقي من الحنفية؟، وكيف نجد اختيارات تعليمية جيدة لأبنائنا؟، وكيف تتيسر لنا خدمة علاج مضمونة، وفرص عمل مفيدة، وشوارع نظيفة، واتصالات ميسرة، ومظلة قانونية وتأمينية تضمن لنا العدل والكرامة، ومساكن ومرافق وأدوات عصرية تليق بمنجزات العلم في الزمن الذي نعيشه، ونوافذ مفتوحة للإبداع والنقاش الحر في كل المجالات، وشفافية تطمئننا على سلامة المسيرة، وحرية تداول معلومات في إطار من المسؤولية الاجتماعية ومواثيق الشرف وحقوق الإنسان؟!

الإجابة على مثل هذه الاسئلة، ووضع الخطوات لتحقيقها، هو الذي سيصنع المستقبل الذي نريده، وغير ذلك ليس إلا مطاردة قطة سوداء في ظلام دامس.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية