حين كتبت فى «تخاريف صيامى» مقالا عن المرأة، وكيف أنها ليست كما يحلو للبعض أن يروج مكسورة الجناح، لم أسلم من هجمات حريمى مرتدة شنها علىّ عدد من الصديقات والزميلات اعتبرن أن ما تضمنه المقال يعد تزييفا لحقيقة طبيعة المرأة الناعمة الرقيقة، وانحيازا لجنس الرجال فى مجتمع ذكورى يحمّل المرأة مسؤولية كل شىء، وهو أمر لم يخطر ببالى بالطبع، فأنا أعتبر نفسى أحد أنصار المرأة وحقوقها والمدافعين عنها، كما أن للمرأة فى حياتى دورا مهما، إذ لى من الشقيقات ثلاث ومن البنات ثلاث، ومن الأشقاء ثلاثة لكل منهم زوجة أضيفت لقائمة الشقيقات، فضلا عن أمى وزوجتى ولكل منهما تأثير عظيم فى صياغة وجدانى وتشكيل وعيى، وإلى جانب كل هؤلاء لى من الصديقات والزميلات الكثير اللائى أعتز بهن وأفخر بمعرفتهن، يعنى ببساطة أنا لا يمكن أن أحسب على أولئك الذين يظلمون المرأة أو يعادونها..
«يا رب تكونوا فهمتوا»، لكن طبعا هذا لا يثنينى عن مواصلة الكتابة واستمرار مداعبة كل هؤلاء، ولى فيما ضمته كتب التراث زاد لا ينتهى، وبالطبع لن أتورط فى أن أقص بعضا من روايات الحاضر والماضى القريب حتى لا تصيبنى الهجمات المرتدة.
وموعدى معكم اليوم لأروى فصلا من فصول المرأة «الدنجوانة»، أى تلك التى ترفض أن تكون تابعة للرجل وتختار لنفسها بنفسها الزوج والحبيب، بل ولا تخجل من أن تتعدد علاقاتها انطلاقا من قاعدة «البنت زى الولد ماهيش كمالة عدد»، على رأى عمنا الراحل النبيل صلاح جاهين.
ففى مجمع أمثال العرب امرأة يُضرب بها المثل فى كثرة الزيجات، إذ يقول العرب: «أسرع من نكاح أم خارجة».
وأم خارجة هذه واحدة من نساء العرب الجميلات تزوجت نيفا وأربعين مرة، ولها من الأبناء والبنات أكثر من عشرين، ولكثرة زيجاتها صارت مضرب الأمثال، وحفظ العرب عدد أزواجها وأشهرهم، ويروى أن أم خارجة كانت تتزوج فإن لم يشبعها زوجها طلقته حتى لو كان هذا فى «يوم الصباحية».
وكان الرجال يتسابقون فى خطب ودها، ويتفاخرون بالمدة التى أمضاها كل منهم فى فراشها، إذ كان هذا يعد دليلا على فحولته وقدرته على احتواء تلك النمرة المتمردة.
وفى كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان قصة أخرى «لدنجوانة» أخرى هى زوجة الخليفة الوليد بن عبدالملك أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان، وكانت تهوى شاعر اليمن الأشهر وضاح اليمن، وكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها وإذا خافت أخفته فى صندوق عندها وأقفلت عليه، وفى إحدى المرات دخل عليها خادمها فوجد عندها وضاحا فأخفته فى الصندوق وطلب الخادم منها حجرا نفيسا ثمنا لصمته فلم تعطه إياه بخلا منها، فما كان من الخادم إلا أن ذهب للخليفة وأخبره بما رأى. فجاء الخليفة إلى حجرتها وهى جالسة تمشط شعرها وكان الخادم قد وصف له الصندوق فجلس الوليد فوقه، ثم قال: هبى لى صندوقا من هذه الصناديق، فقالت أم البنين: كلها بحكمك يا أمير المؤمنين.
فقال: أريد الصندوق الذى تحتى.
فقالت: غيره أحب إليك منه، فإن لى فيه أشياء أحتاج إليها.
فقال الخليفة: ما أريد سواه، فرضخت المرأة وقالت له: خذه.
فدعا الخليفة الخدم وأمرهم بحمل الصندوق، وأمر عبيده بحفر بئر فحفروا حتى بلغوا الماء، فوضع الصندوق على حافة البئر واقترب منه وقال: يا صاحب الصندوق إنه بلغنا شىء إن كان حقا فقد دفناك ودفنا ذكراك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنما دفنا الخشب، ثم قذف بالصندوق فى البئر وهيل عليه التراب وسويت الأرض، ويقول ابن خلكان فى كتابه: «فما رُئى الوضاح بعد ذلك اليوم، ولا أبصرت أم البنين وجه الوليد غضباً حتى فرّق الموت بينهما».. يعنى دفع الشاعر وضاح ثمن علاقته بزوجة الخليفة وبقيت هى فى قصر الخلافة حتى ماتت.
والشاهد أنه مثلما هناك رجال متعددو العلاقات هناك نساء تعددت علاقاتهن، سواء بالزواج أو بالحب، ومكسورة الجناح هى فى كثير من الأحيان الحاكمة بأمرها ولا عزاء للرجال.