x

منار الشوربجي المرأة.. شكلاً لا موضوعاً! منار الشوربجي الثلاثاء 14-04-2015 21:13


لفت انتباهى خبر نشرته الصحف الغربية عن قانون أصدره مؤخراً البرلمان الفرنسى، يحظر تشغيل عارضات أزياء بالغات النحافة. ويقول الخبر إن القانون يأتى ضمن حملة واسعة تشنها حكومة أولاند لمكافحة مرض الأناركسيا، أو هوس النحافة، الذى وصلت الإصابة به فى فرنسا إلى أكثر من 40 ألف حالة، وباتت فى ازدياد مستمر. وعرفت من الخبر أن فرنسا ليست أول بلد أوروبى يصدر قانوناً بخصوص نحافة عارضات الأزياء، إذ سبقتها إليه كل من إيطاليا وإسبانيا. وجدت فى الخبر ما يستحق المناقشة ليس لأنه يكافح مرض الأناركسيا، ولكن لأنه يتعلق بظاهرة مرضية أخرى تتعلق بكيان المرأة ومعنى وجودها.

فالعلاقة بين القانون والأناركسيا فى تقديرى غير مباشرة فى أفضل الأحوال. فالأناركسيا، فى حدود معلوماتى المتواضعة، وأنا لست طبيبة، مرض نفسى خطير له علاجه عند الأطباء. فوفق المصادر الطبية التى يسهل فهمها لأمثالى من غير الأطباء، فالأناركسياa مرض يصيب النساء والرجال فى أعمار أهمها سن المراهقة ومرحلة الشباب، ومن أهم أعراضه هوس المريض بضرورة تخفيض وزنه عبر شتى الطرق، وما يستتبعه ذلك من انخفاض حاد فى الوزن، يعرض صاحبه للموت فى أحيان كثيرة لأنه قد يؤدى لتوقف أجهزة الجسم.

وتلك هى بعض الأعراض لا كلها. لذلك فإن حظر الاحتفاء بالنحافة البالغة من خلال عروض الأزياء قد يسهم بشكل غير مباشر، عبر مساعدة أطباء النفس فى عملهم لكنه فى ذاته لا يقدم علاجاً للمرضى، والله أعلم.

لكن الظاهرة المرضية التى يطرحها القانون دون قصد تتعلق بما تعانيه المرأة، أينما كانت، من تركيز مجتمعها على صورة بعينها يصنعها لها المجتمع، ويصبح على المرأة أن تطمح لتحقيقها. فكثيراً ما يتم ربط المرأة ووجودها بجسدها لا بعقلها وشخصيتها. وهو ما يعنى بالضرورة «صنع» المجتمع لمعايير بعينها «لجمالها». وكثيراً ما تستدرج المرأة ذاتها للإيمان بتلك المعايير المفروضة، بما يُعرّض الكثيرات، وبالذات فى مرحلة المراهقة والشباب، لضغوط مستمرة «لتصحيح» شكلها الخارجى وفق تلك المعايير «المثالية» التى صنعها لها آخرون.

والمرأة عندئذ تستجيب لتحويلها «لشىء» له قالب واحد، لا مخلوقة من مخلوقات الله، لها صفاتها الخاصة التى حباها بها الله وميزها بها عن غيرها. وبيوت الأزياء العالمية صارت جزءاً من صناعة ذلك القالب الموحد للمرأة. فهى لا تنتج فقط ملابس لها ألوان وأشكال بعينها تحدد موضة فصول السنة، وإنما تنتج أيضاً امرأة «تفصيل» لها مقاييس بعينها تطرحها باعتبارها «الشكل» المثالى «للجمال»، وهو الذى بات منذ الثمانينيات يبالغ فى الاحتفاء بالمزيد والمزيد من النحافة. وصناعة الموضة ليست وحدها المسؤولة عن تلك القوالب، إذ تشترك فى صناعة مقاييس الجمال متغيرات كثيرة.

ولا يقولن أحد إن تلك كلها أمور تخص المجتمعات الغربية. فكلنا يعرف الحذاء الحديدى الذى كانت الصغيرات فى الصين يجبرن على ارتدائه لأن مقياس «الجمال» كان القدم الصغيرة. وفى مصر، فى أوائل القرن العشرين، كان «جمال» المرأة فى بدانتها لا العكس. ومازلت فى بلادى حتى اليوم، أسمع من أسر عن لون بشرة العروس «المناسبة» لابنهم أو حجمها. وأنت نادراً ما تسمع عن أسرة تريد عروساً لشخصيتها أو لرجاحة عقلها.

باختصار، لا يخلو مجتمع من قوالب ومعايير جامدة «لجمال» المرأة «الخارجى». ولا يعرف الكثيرون حجم الضغوط التى يضعها ذلك على الفتيات الصغيرات، والتى قد تؤدى بهن لدوامات سلبية لا حصر لها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية