x

عبد الناصر سلامة الإسكندرية نموذجاً عبد الناصر سلامة الجمعة 14-08-2015 21:15


قد تكون علاقة هانى المسيرى، محافظ الإسكندرية، بنجل أحد الوزراء هى التى أتت به إلى هذا الموقع، لا أرى فى ذلك مشكلة، وقد تساهم زوجته فى إدارته للمحافظة بشكل ما، ولا أرى فى ذلك غضاضة، وقد تكون شقيقته فى موقع ما بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، ولا أرى فى ذلك ما يشينه، وقد يكون الرجل مزهواً بنفسه، يحب النجومية، أو ركوب الدراجات، أو ألعاب القوى، ويتصرف بأسلوب مستفز للعامة، أو لمن حوله، أراها أيضاً حرية شخصية.

كل ذلك وأكثر أرى من عدم الكياسة التوقف أمامه، هذا إذا كان الرجل متميزاً، يعمل، ويبدع، ويحقق إنجازاً تلو الآخر على أرض الواقع، أما حينما نرى غضبا عارما بين شعب الإسكندرية لأسباب أخرى تماما هذه المرة، تتعلق بحال المحافظة أو المدينة التى كانت عروسا يوما ما، فهذا هو الأزمة الحقيقية التى يجب التوقف أمامها، وحينما نقول شعب الإسكندرية فإننا نتحدث عن مواطنين مصريين يحبون مدينتهم إلى حد العشق، ولِمَ لا؟ فهى مدينة جديرة بالعشق، وبالتالى فإن أى مسؤول سوف يتسبب فى تراجعها إلى هذا الحد سوف تكون الكراهية من نصيبه، وهذا هو ما حدث مع ذلك المحافظ الآن.

القمامة المتراكمة وحدها قد تكون سببا كافيا لغضب أبناء الإسكندرية من المحافظ، العشوائية بالشوارع قد تكون سببا كافيا، استمرار مخالفات البناء قد تكون سببا، تدهور حال المرافق والخدمات كذلك، عدم وجود أى إنجاز واضح على الأرض هو أيضا سبب كاف، إذن ما الذى سوف يحمل المواطن هناك على عدم الغضب، وإلى متى يمكن أن تستمر الأوضاع بهذا السوء دون تدخل رسمى من سلطة أعلى، وإلى أى مدى يمكن أن يستمر صبر المواطن؟!.. أسئلة كثيرة تدور بأذهان أى زائر للعاصمة الصيفية.

قد تكون ملاحظة عامة تلك التى تشير إلى أن الكفاءات فى بلادنا الآن ينأون بأنفسهم عن موقع المسؤولية، أذكر هنا تصريحا رسميا عقب تشكيل المحافظين الأخير، والذى كان يضم محافظ الإسكندرية، جاء به: «إن سبب التأخير فى الإعلان عن التشكيل هو حالة الرفض العام، معظم من كنا نعرض عليهم المنصب كانوا يرفضون»، انتهى التصريح، بالتالى كان من الطبيعى أن يأتى نجل أحد الوزراء بصديقه محافظا، أو تحديداً بأربعة من أصدقائه، كما تردد فى ذلك الحين، وللأسف لم يخرج علينا من ينفى مثل هذا الكلام، حتى الوزير المشار إليه التزم الصمت، فى الوقت الذى لا نرى فيه سبباً لاستمراره هو أيضا فى موقعه، فقد ترهل أيما ترهل!

هذه القضية تدعونا للتركيز على أهل الخبرة حين الاختيار بعد أن فشلت الاختيارات الأُسرية أو اختيارات أهل الثقة، وتدعونا إلى منح الثقة والطمأنينة لهؤلاء قدر الإمكان، حتى يمكن أن يقبلوا بالمنصب، فقد مرت البلاد بخمس سنوات عجاف، كانت كفيلة بأن تصل الكفاءات إلى هذه القناعة، وهى أن الأمر لا يستحق، والأسباب فى ذلك كثيرة، فقد تصبح فى المنصب غداً، وأمام النيابة بعد غد، أو حتى قابعاً فى السجن لأسباب غريبة فى اليوم التالى، وفى معظم الأحيان لن تكون هناك إدانة، إلا أنها الإهانة والبهدلة وقلة القيمة.

كنت أتصور أن الحيوية التى يتميز بها المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، رغم تقدمه فى السن، سوف تعود بالتالى على وزرائه ومحافظيه، بل على جهازه الإدارى ككل، أو هكذا يجب أن يكون الوضع، إلا أن ذلك لم يحدث أبداً، لا فى هذه ولا تلك، بل ما هو واضح هو أن الرجل يؤدى مهام بعض هؤلاء، فقد تحول بقدرة قادر إلى وزير للإدارة المحلية، فى غياب حقيقى وواقعى لدور الوزير، وأصبح بالفعل أكثر تردداً على المحافظات المختلفة من الوزير نفسه، كما تحول أيضا بحكم نشاطه اليومى إلى محافظ للقاهرة، حيث أصبح أكثر متابعة من المحافظ لحركة الشارع والباعة الجائلين والنظافة والمرور، إلى غير ذلك من مهام كان على المحافظ متابعتها وحسمها.

هو قصور واضح فى أداء القيادات العليا ككل، وما الإسكندرية إلا نموذج، وهو سوء اختيار غير مسبوق، وما المحافظ إلا مجرد حالة، وهو تخريب واضح يصل إلى حد الفساد، وما نجل الوزير إلا دليل، لكننا أمام قضية يجب التوقف أمامها كثيرا، بل تصدّرها سلم الأولويات فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الوطن، وذلك باعتبار عملية الاختيار لأى موقع عملية بالغة الدقة، فالمجتمع لم يعد يحتمل تجارب من أى نوع، أو استثناءات لأى سبب، أو فشلاً فى مواقع لا يُحتمل فيها الفشل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية