أمامنا تجربتان عربيتان فى الإصلاح السريع، الذى يشعر به الناس بشكل مباشر: واحدة مغربية أشرت إلى جانب منها فى هذا المكان، صباح أمس.. وأخرى عراقية، أشير إليها اليوم.. وعلينا أن نختار.. فإذا سألتنى فإننى سوف أنصح بالأولى.. أما لماذا هى، دون الثانية، فسوف أقول حالاً!
فلقد استيقظ حيدر العبادى، رئيس وزراء العراق، صباح الأحد الماضى، وأمسك ورقة وقلماً، ثم اتخذ قرارات إصلاحية، ربما لم يشهد العراق لها مثيلاً من قبل!
ماذا فعل؟!.. ألغى مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، ومناصب نواب رئيس الوزراء الثلاثة، وأقال وزيرى الكهرباء والموارد المائية، وألغى المخصصات الاستثنائية فى جميع الهيئات ومؤسسات الدولة، وقرر فصل نواب البرلمان الذين يتغيبون عن ثلث الجلسات فى الفصل التشريعى الواحد، وقرر تقليص أعداد الحراس المرافقين لكل مسؤول فى الجمهورية.
وقد كانت هناك قرارات أخرى ذات طابع سياسى، ولم تكن تقل ثورية عن هذه التى أشرت إليها، ولكنى أحببت فقط أن أتوقف عند القرارات ذات الطابع الاقتصادى لأنها سوف توفر على الخزانة العامة للدولة، وسوف يحس المواطن العراقى بمردودها سريعاً، إذا ما أخذها رئيس حكومته بالجدية الواجبة!
لماذا، إذن، أفضل قرارات عبدالإله بن كيران، رئيس وزراء المغرب، من أجل الإصلاح، على قرارات العبادى، التى هى من أجل الهدف ذاته؟!
أفضلها لأن العبادى لم يأخذ قراراته، رغم أهميتها، إلا بعد أن خرجت مظاهرات ضخمة فى 11 محافظة، وإلا بعد أن ملأ المتظاهرون الشوارع يطلبون وقفة جادة ضد الفساد الذى جعلهم فى بلد بترولى مثل العراق، يعانون من انقطاع الكهرباء فى عز الصيف، ومن انقطاع الماء معاً!
دولة عندها من البترول ما نعرفه، وعندها نهران يقطعانها من الشمال للجنوب، وعندها أرض هى الأخصب إذا ما قورنت بالأرض فى الدول من حولها، ثم لا يجد العراقيون الكهرباء ولا الماء!
أما عبدالإله بن كيران فلقد بادر إلى قراراته، قبل أسبوع بالضبط، دون أن يخرج فى الشارع مغربى واحد متظاهراً، ولذلك فإذا كان الرجل قد اتخذ القرارات الإصلاحية التى اتخذها تحت ضغط شىء، فهذا الشىء هو إحساسه بالمسؤولية تجاه كل واحد من أبناء بلده، وقبل أن يخرجوا عليه، كما خرجوا على العبادى، مطالبين بالإصلاح، وصائحين بأعلى أصواتهم ضد صور الفساد الفاجر!
ما أعظم قرارات الإصلاح الشامل حين يجرى اتخاذها تحت ضغط الإحساس بالمسؤولية!