التاريخ لا يكتبه المنتصر وحده، هناك أيضا نصيب للضحايا، لذلك لا يجب ان نهمل الأنين ونكتفي بهتافات المنتصرين، واليوم تحل الذكرى الثانية للمواجهة التي اختارها الإخوان رمزاً لهزيمتهم، وحائطاً لبكائهم، وبطاريةً لشحن أنصارهم بطاقة الانتقام.
لقد اختاروا «رابعة» شعارا مركزيا للتذكير بالدم، ففي هذا اليوم تحركت الأجهزة الأمنية لفض الاعتصام بعد إنذارات عدة، ومساع متنوعة لإقناع المعتصمين بإنهاء اعتصامهم والمشاركة من أول السطر في العملية السياسية التي أعقبت مظاهرات 30 يونيو، وبيان القوات المسلحة الحاسم الواضح، وإجراءات 3 يوليو التي أنهت شرعية الرئيس الإخواني.
كان الاعتصام مزدوجا بين ميدان نهضة مصر في الجيزة غرب النيل، وميدان رابعة العدوية في مدينة نصر شرق النيل، وتم فض الاعتصامين في نفس اليوم بنفس الطريقة، فلماذا اختار الإخوان شعار رابعة، وتجاهلو الشعار الأقرب لبرنامجهم الانتخابي (النهضة)؟
- يقول أحدهم لأن مئات أو آلاف القتلى سقطوا في عملية فض اعتصام رابعة، بينما انتهى اعتصام النهضة دون خسائر بشرية كبيرة.
* ولماذا لم تحدث خسائر في ميدان النهضة؟
- لأن المعتصمين اختاروا عدم المواجهة، واستجابوا للانسحاب، وخرجوا من الميدان حاملين أمتعتهم.
* هذا يعني أن القوات لم تقتلهم عمدا، وبالتالي لم يكن الهدف هو التصفية والقتل، بل مجرد فض اعتصام يهدد أمن المارة ويغلق الشوارع ويتعارض مع حقوق التظاهر السلمي، وهذا عكس ما حدث في رابعة.
في رابعة (كما في «تحرش دار الحرس الجمهوري»، وكما في «أحداث المنصة» ومماحكات متعمدة أخرى في ميدان رمسيس وبين السرايات والمنيل وكرداسة) كان قادة الإخوان يبحثون عن مزيد من الدم المراق سعيا وراء توريط القوى الحاكمة وفي مقدمتها الجيش في جريمة حرب، أو تهمة إبادة، أو انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان الغرض منها إحراج النظام وتعريضه لمساءلة دولية، خاصة وأن دولا مثل تركيا وقطر تحركت واستأجرت منظمات حقوقية وإعلامية دولية لتحقيق هذا الهدف الخطير.
خروج المعتصمين من ميدان النهضة بلا خسائر تذكر، لم يكن يصلح إذن لخطة التوريط الإخواني، كان النموذج المطلوب هو مذبحة رابعة التي دبرها قادة الإخوان، وسعوا إليها، وتفاخروا قبلها باستعراض طوابير الشهداء حتى من الأطفال، ذلك هو النموذج الأمثل الذي يجب تضخيمه والمبالغة في تقديمه للأنصار وللعالم كجريمة لا تسقط بالتقادم.
هل تريدون العدل، بلا خوف، وبلا صمت مشبوه؟
ما حدث في رابعة جريمة، ولابد من محاسبة المسؤولين عن الدم الذي أريق من الجانبين، وأنا شخصيا أتهم قادة الإخوان بالتدبير والتحريض والتخطيط لهذه المجزرة، حتى لو كان ضاغط الزناد من خارجهم، ربما كانت هناك بعض الاخطاء الفنية في عملية الفض، لكن التصور العام للأحداث جعل الأجهزة الأمنية في وضع رد الفعل، وموقف الدفاع عن النفس في مواجهة خارجين عن القانون.
ضحايا رابعة لن يسقطوا في النسيان، فالتاريخ لا يهمل صيحات النصر ولا أنين أهالي القتلى، لذلك لا بد من محاكمة القاتل، على الدولة أن تسعى لمحاكمة علنية تطرح فيها للرأي العام في مصر والعالم تفاصيل هذه القضية بالأدلة والشهادات الموثقة، حتى لا يفلت تجار الدم، من يستسهلون قتل أنصارهم ليرفعوا «قميص عثمان» أمام الجموع ويطالبون بالقصاص، كخطوة احتيالية يسعون من خلالها للنيل من خصومهم والاقتراب من السلطة.
جريمة رابعة لابد من التحقيق فيها وتقديم المحرضين والمخربين لمحاكمة علنية، لأن السكوت عنها يخلط الأوراق في كتب التاريخ، ويبرئ القتلة من فعلتهم.
حاكموهم لنعرف لماذا تناسوا النهضة وتذكروا رابعة.