من زمام الحديقة خرج.. من حدودها جرى.. من محيطها نسى أنه ملكها.. سيدها وتاج رأسها... لكن رغبته كانت أقوى... وشهوته كانت أعنف واحتياجه كان أشد، فوقع فريسة فى الفخ وفقد سيطرته على كبريائه وكرامته عندما استدرجه طبيب أسنان أمريكى مولع بهواية صيد الحيوان.. ذهب إلى زيمبابوى فى زيارة «لهوانج» حديقتها الوطنية المفتوحة للحيوان الطليق، وقام باستدراج الأسد «سيسل» خارج حدود الحديقة، وذلك بعد أن أوقع به فى الفخ عندما قام بذبح حيوان ربطه فى مؤخرة سيارته «الچيب» وجره وسحله فى محاولة لاصطياد الأسد حتى يتمكن من صيده خارج أسوار الحديقة... وقد فعل!!!.... فعل دون رحمة.. فعل بخسة وحقارة.. فعل بجبن السفهاء.. بعيداً عن شجاعة ونبل الرجال.. فعل وذبح رقبة الأسد ليعود لوطنه برأسه مفتولا.. فخوراً متباهياً أمام رفاقه وأصدقائه، يحكى لهم عن دهائه وذكائه و«استعباطه» لهذا الملك.. ملك الغابة.. بعد أن تمكن من تدليسه وقهره ليعود ممسكاً برأسه متسامراً مع الأصدقاء بينما يرقد على الطاولة رأس الأسد فى انتظار عملية طويلة من الإعداد للتحنيط تدق فيها الطبول تفاخراً بهذه البطولة اللاإنسانية التى أشعلت قلوب هذا العالم- المرهف الحس!!!!!.. الإنسانى الضمير!!!- بمشاعر وهو يبكى حزناً على هذه القصة المؤلمة التى راح ضحيتها هذا الأسد اللطيف الذى كان صديقاً ودوداً لزائرى الحديقة ومحباً لهم!!!!.
يا سلام.. يا سلام.. وقف العالم كله يسانده الإعلام الغربى فى الأسبوع الماضى وهم يبكون وينعون هذا الحدث المؤسف!!! فى شكل مأساوى حزين سافر... وببجاحة منقطعة النظير ظهر هذا التعاطف المبالغ فيه - وكأنه متعمد «للفرس والغيظ» ليفضح هذه الازدواجية وهذا النفاق باسم الإنسانية ومعانيها السامية، والتى تجسدت فى هذا التعاطف مع هذه القصة بينما يموت ويذبح ويقتل وينتهك ويغتصب ويشرد ويجوع الآلاف.. بل الملايين من البشر الذين تزهق أرواحهم كل يوم - وهم على قيد الحياة- دون أن يتحرك أحد.. دون أن يبكيهم أحد.. دون أن يوقف مأساتهم أحد!!!!
العالم يتفرج... العالم يتسلى كل يوم بقصص درامية تفضح ضميره الكاذب وتكسر قيمته الإنسانية!!! العالم يبكى الأسد فى ازدواجية ونفاق لمعان افتقدها فى نفسه وذاته، لمعان يخجل أنه أصبح لا يمتلكها.. العالم يبكى أسداً ويعلن حداده بينما هناك الآلاف من الرؤوس المقطوعة التى تسبب هو فى قطعها نتيجة لطمعه وطغيانه... العالم ينعى أسداً- نعم- خوفاً وإدراكاً لانقراض سلالات من الحيوانات والنباتات والطيور!! بينما تختفى إنسانيته وتعاطفه عندما تنقرض أمام عينيه شعوب بأكملها وينقرض أمام ضميره الإنسانى تاريخ وتراث وفنون تحمل أزمنتها وعصورها جذورا من الهوية محفورة ومنحوتة معالمها فى العقل والوجدان.. العالم يبكى أسداً فى الوقت الذى تتآمر فيه أيادٍ خفية من أجل محو أسماء أوطان من على خريطة عالمه!!!!
هذا النفاق القبيح.. هذه البجاحة العاهرة التى يفرضها العالم علينا وهو يتظاهر بمروءته وحزنه!! وهو يقيم احتفالات من أجل ذكرى شهداء الحرب العالمية الثانية أو من أجل ضحايا التطهير العرقى فى البوسنة أو رواندا أو من أجل مجازر الأتراك للأرمن...؟؟؟!!!.. يتذكر.. يبكى ويمشى فى «جنازة الميت وهو صاحى» على مسمع ومرأى الكل ولا أحد يتحرك!! والآن يشترك فى تمثيلية جديدة يتاجر فيها بأرقى معنى لوجوده- إنسانيته- يرفع معانى الرأفة.. التعاطف.. حق البقاء وغيرها من معان ينحنى لها القلب، ولكنه يفعل ذلك ليس من أجل دفاعه عن قضية انقراض سلالات! ولكن من أجل تحسين صورته وتعظيم دوره كراع للإنسانية ورسالتها ولـ«نبقى نحن الشعوب المتصارعة نولول ونلطم على حالنا... ويجوز أن نستعين يوما ما بالسيدة حرم الأسد ربما يكون عندها من الحل ما يقهر هذا العالم الجبان المنافق!!!».