x

جمال الجمل نهاية الصداقة (الخرتيت -6) جمال الجمل الثلاثاء 04-08-2015 04:15


هل يعرف الميت أنه مات؟

لا أبحث عن إجابة أحد منكم، لأن الإجابة الصحيحة، لابد أن تكون من شخص ميت، وهذا لم يحدث بعد.

«سؤال التحول» يحيرني أيضا، على الرغم من أنه أسهل كثيرا من «سؤال الموت»، ففي أفلام المسوخ نشاهد أبطالا يعرفون حالتهم جيدا، ويدركون أسباب التحول وظروفه، بالرغم من أنهم يفقدون الذاكرة والسلوك الطبيعي عندما يدخلون مرحلة التحول، حيث يكتسبون سلوك «الذئب»، أو «الخفاش»، أو «مصاص الدماء»، أو أي صورة ممسوخة (أو خارقة) يتحولون إليها.

عادة تتم عملية التحول بعيدا عن العيون (حتى في السينما)، فالناس تفاجأ بالمتحول في صورته الجديدة، وبالتالي من الصعب أن نجد من يصف لنا لحظة التحول ومايحدث فيها.

لاحظوا أنني قلت «من الصعب» ولم أقل «من المستحيل»، لأنني عشت هذه اللحظة مع عدد من المتحولين.. «بيرانجيه» أيضا عاشها بعد يوم واحد من عدم اكتراثه لظهور الخراتيت في المدينة، ففي ذلك اليوم غضب صديقه «جان» من تعامله ببرود مع حادث الخرتيت الذي دهس قطة السيدة في الشارع، وكانت حجة «بيرانجيه» أنه سمع ولم يتيقن، لكنه هذه المرة عاش التجربة بتفاصيلها المثيرة، عندما ذهب إلى منزل صديقه «جان» ليعتذر له عن طريقته غير المتحضرة بالأمس، فهو يعرف أن «جان» متحضر ومتأنق وحريص على الأخلاق والتقاليد.

* فوجئ «بيرانجيه» أن صديقه يرقد مريضا في السرير، فسأله: مالك ياصديقي؟

- «جان»: رأسي يؤلمني، يبدو أنني ارتطمت بشئ ما.

* متى؟

- يجيب بصوت خشن وغريب: ربما وأنا نائم‏

* هذا مجرد حلم، لأنك لو ارتطمت أثناء النوم كنت استيقظت.

- أنا لا أحلم أبدًا.‏

* ربما حلمت بأنك مصاب بالصداع، ثم نسيت الحلم، هذا يحدث عادة وأنت تتوقع ذلك طبعا.

- أنا لا اتوقع شيئا على الإطلاق، أنا أتعامل مع ما يحدث وفقط، وأنا أشعر بألم الارتطام في رأسي، هذا.

* لو كنت قد ارتطمت، لكان هناك تورُّم مكان الصدمة (ينظر في رأسه ثم يقول: يبدو أن لديك حق، فهذا تورّم في منتصف جبهتك.‏

- تورُّم فعلا؟‏

* نعم، لكنه صغير، هل لديك مرآة؟‏

- يتحسس «جان» جبينه وهو يقول: المرآة في الحمام، سأرى ذلك بنفسي، ثم يرفع صوته عاليا وأكثر غلظة: كلامك صحيح، لديَّ تورُّم، فهل صدقت أن رأسي اصدمت بالسرير وأنا نائم.

(عندما يعود «جان» من الحمام يتحول جلده إلى اللون الأخضر تدريجيا)

بيرانجيه: تبدو مريضًا، لونك مخضّر.‏

جان: كلامك مزعج دوما.

* آسف، لكن حالتك غير طبيعية وتنفسك يشبه الشخير، هل يؤلمك حلقك؟

- ولماذا يؤلمني، أنا لا أشكو إلا من وجع الرأس نتيجة الارتطام؟

* سأقيس لك الضغظ ثم أستدعي لك طبيبا؟

- أنا أكره الأطباء، إنهم يخترعون أمراضا من عندهم ليعيشوا على دم المرضى، أنا لا أثق إلا بالبيطريين.‏

«بيرانجيه» يقيس الضغظ لصديقه ثم يتوقف فكأة ويترك يد «جان» وهو يقول: إن أوردتك نافِرَة ومتنفخة بشكل غريب.‏

«جان»: هذا دليل صحة وقوة.‏

* لكن بشرتك غريبة جدا، لونها يتغير بسرعةٍ كبيرةٍ نحو الأخضر وتصبح أكثر خشونة

- جان يسحب يده وهو يقول: أنت تزعجني.‏

* يقوم «بيرانجيه» نحو التليفون، فيدفعه «جان» بقوة فيسقط على الأرض، فيقول له: لا تغضب.. فنحن أصدقاء‏.

- جان: لا وجود للصداقة. أنا لا تهمني صداقتك.. أنت مستفز وطريقتك تغيظني.‏

* أعتذر يا عزيزي

- لا تقل يا عزيزي

* يعاتبه بيرانجيه: أنت فظٌّ وغريب جدًا اليوم.‏

- جان: نعم، أنا فظ، أحب الفظاظة، يعجبني أن أكون فظًا.

* ألا زلت غاضبا مني بسبب نقاشنا الأحمق أمس، كانت غلطتي، أعترف بذلك، وقد جئت لأعتذر لك.‏

- أي نقاش؟

* الخرتيت الذي دهس قطة السيدة

- لا أبالي بالسيدة ولا بالقطة، الناس يثيرون اشمئزازي، وإذا ما اعترضوا طريقي، فسوف أسحقهم.‏

* بيرانجيه: تعلم جيدًا أنني لن أكون أبدًا عقبةً في طريقك...‏

- جان: الأمر لا يخصك، لأنك لو اعترضت طريقي سأدهسك.

* هذه ليست أخلاقك!

- الأخلاق كلام فارغ ولابد أن نتخلص منها

* وكيف نعيش؟

- بالفطرة والغريزة والحياة الطبيعيٍة!

* بعد كل هذه القوانين والتقدم في العاملات نعود إلى قوانين الغابة

- هذا هو قانون الطبيعة الذي لا يمكن تغييره

* هل تريد أن تعيش بقانون الغابة

- نعم.. سأعيش في الغابة، هذا يناسبني جدا

* وقبل أن يعلق بيرانجيه، لاحظ أن قرنا بدأ يظهر في جبهة «جان» مكان التورم، وصوته تحول إلى خوار، لم يفهم منه إلا كلمات غاضبة: سأدوسك... سأدوسك، وينطلق من البيت خارجا ليلتحق بقطعان الخراتيت التي تجوب الشوارع.

جلس بيرانجيه مصدوما يفكر في تداعيات الوباء الذي اجتاح المدينة، وفي هذه اللحظة بالتحديد شعر برغبة جارفة في رؤية محبوبته «ديزي».

وهذه قصة المقال المقبل.

جمال الجمل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية