x

جمال الجمل هذا المقال قطة.. (الخرتيت -4) جمال الجمل الجمعة 31-07-2015 03:05


(1)

عانى صديقي (هـ) من صعوبة العيش بعد أن طرده "الرجل المهم" من عمله كمدير تحرير لمجلة ثقافية متخصصة، وكلما سعى لفرصة عمل تأتي مكالمة مجهولة لتنهي الأمل في تحسن أحواله، وبعد أكثر من عامين أصبح صديقي المبدع تعيسا جدا، وانعكس ذلك على ملامح وجهه، ولغته، ونظرته للحياة والناس.

ذات ليلة في مطلع الألفية الثالثة، حدثته عن رغبتي في توثيق تجارب ما اسميتهم "أهل الكهف"، أولئك المبدعين من أمثاله الذي خرجو من الحياة تقريبا، ويعيشون في كهوف مغلقة على هامش عالم يرفض أن يستوعبهم أو يسمح لهم بالمشاركة.

انزعج صديقي من توصيف "أهل الكهف" برغم معرفته بأنني كنت منهم في ذلك الوقت، وتطور الحوار إلى قبوله مجددا بفكرة المشاركة المحدودة، بمعنى أن نتفاعل مع العالم الموجود دون أن نفقد حلمنا المنشود أو نتنازل عما نريده لنا وللدنيا الواسعة

كان العرض أن يقبل بالعمل كناقد مسرحي في مطبوعة جديدة يؤسسها صحفي شهير من نجوم المرحلة، والتزم الصديق وذهب إلى الموعد الذي حدده رئيس التحرير في مقهى صغير اعتاد أن يجلس فيه منذ بداية مشواره الصحفي، ولما عاد صديقي من الموعد كان متأففا جدا، وقال لي بترم: إيه الشئ اللي انت عاوزني اشتغل معاه ده؟، والنعمة يا شيخ طول ما أنا قاعد معاه كنت شامم رائحة عفونة مش عارف جاية منين، وصوت خوار مزعج مالي وداني!

تضايقت من طريقته المتبرمة، وهاجمته على تأففه الشريع وعدم تحمله، وطالبته بالصبر لأن الاستمرار في الكهف معناه اختيار الانتحار كبديل للحياة، والتزم فعلا، وامتلأ بالنشاط والحيوية، وانتظم في متابعة العروض والكتابة عنها، ومناقشة القضايا المسرحية والثقافية، وبعد شهرين من العمل، كانت المطبوعة قد صدرت، ولم ينشر لها سوى موضوع واحد بعد تدخل مني لدى رئيس التحرير، وإقناعه بأهمية القضية.

عاد صديقي للشكوى، واتفقنا أن أذهب معه للقاء مشترك مع رئيس التحرير لأثبت له أن مخاوفه ليست صحيحة، وأن كتاباته جيدة، لكن هناك مراءمات للنشر يجب أن نحترمها، ونبحث عن معادلة لتوفيق "شغله" مع جاذبية القراءة التي يبحث عنها المسؤولون في الصحف.

في الطريق كان صديقي يرسم لي صورة رئيس التحرير كما رآها: ده راجل مختل، يترك أي موضوع ليحدثك عن قرفه من رائحة عرق الناس، ويتفاخر بالميزانية الضخمة التي ينفقها على العطور المستوردة، هذا فضلا عن جنونه العصابي إذا ناقشه أي إنسان، فهو دائما يردد: أنا أقول وانت تنفذ، ماسمحتلكش تتكلم، خللي رأيك لنفسك واعمل اللي بقول لك عليه...

كنت أهمل ملاحظات صاحبي، واطالبه بالتمسك بالفرصة واستعادة مشروعه كناقد، وعندما وصلنا، دخلنا إلى مكتب فخم ومتسع بطريقة مستفزة، ولما سألت رئيس التحرير عن مشكلة عدم نشر موضوعات صديقي، قال بطريقة ملتبسة تخلط الجد بالمزاح: أصلها كئيبة زيه.

إحمَّرَ وجه صديقي ووقف مكانه، فنطر ناحيته رئيس التحرير وهو يكمل: انت فعلا مالك شكلك كئيب ومخاصم الضحكة؟

قال صاحبي بحدة: أي حد عنده دم وإحساس، وشايف البلاوي اللي في المرحلة مش ممكن يبتسم.. ما بقاش حاجة تضحك في البلد غير الهم.

حاولت تهدئة الموقف فقلت له: اقعد يا (هاء)

قال وهو ينصرف: ياللا بينا.. الخراتيت لن تفهمك.

(2)

على نفس المقهى في بلد آخر، جلس "بيرانجيه" مع زميله "جان"، المقهي يكل على ميدان مزدحم في وسط المدينة، وبدأ "جان" يوبخ "بيرانجيه": مالك شكلك قمئ كده، وهدومك مبهدلة، وشعرك منكوش، و....؟

يسخر "بيرانجيه" منه وهو يتصنع فرد شعره بأصابع يده، ومسح قميصه بيده كأنه "يكويه"، فيغضب "جان" ويهب واقفا وهو يواصل توبيخ زميله بصوت أعلى، وفجأة يصيح اخدهم: خرتيت.. خرتيت

تحدث حالة من الفوضى في المقهى لأن بعضهم شاهد "خرتيتا" يمر في الشارع ويختفي بين الناس، لكن "بيرانجيه" لا يهتم بالأمر، بينما يتصاعد غض جان ويهاجم مجلس المدينة، ومسؤول حديقة الحيوان، وينصح صديقه أن يهتم بهندامه ويهذب هيئته، فيوافق بيرانجيه قائلا: أريد أن أفعل ذلك في أجازة الأسبوع المقبل لأنني أنوي زيارة المتاحف ودخول المسارح، وأتمنى أن ترافقني في ذلك. يرفض "جان" لأن هذا يتعارض مع مواعيد قيلولتي، وجلسات اصدقائي في المساء.. "وأنا رجل أحافظ على وعودي وتقاليدي.

بالتوازي كان بيرانيجه يستمع إلى محاضرة عبثية عن "القياس المنطقي" يلقيها مثقف تقليدي على كهل مستسلم:

- إذا كان للقط 4 أرجل، وفريكو له 4 أرجل، إذن فريكو قط.

* قال الكهل: عندي كلب له أيضاً 4 أرجل.

- رد المثقف الذي يرتدي قبعة من القش: إنه قط إذن.

* قال الكهل: وهذه الموائد كلها لها 4 أرجل.

- إذن كلها قطط، هذا أمر بديهي..

يظهر خرتيت آخر في الساحة، ويدوس في طريقه قطة سيدة وحيدة، ويعود الهرج والمرج، ويتساء الناس عن حقيقة الخراتيت التي تظهر في المدينة، وتتداخل النقاشات بطريقة تغضب "جان" فيشتم بيرانجيه، ويتهمه بالبلادة ويتركه وينصرف.

(3)

من أين جاءت الخراتيت؟، واين ذهبت؟

يسأل بيرانجيه نفسه، وهو ينظر في المرأة الكبيرة على حائط المقهى

فلا تتوقفوا عن النظر في المرآة، لنشاركه في الإجابة على السؤال.

(4)

تأمل العنوان.. إنه للأذكياء قطط (أقصد فقط)..!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية