قبل يومين أو ثلاثة، صدر قرار بقانون، يعطى رئيس الجمهورية حق عزل رؤساء الأجهزة الرقابية، إذا كان تقديره أن ذلك يحقق مصالح الدولة العليا، باعتباره الرئيس المسؤول.
وليس معروفاً إلى الآن، لماذا صدر قرار بقانون بهذا المعنى، ولكن كلاماً منسوباً إلى المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، فى الصفحة الأولى من «المصرى اليوم» صباح أمس، يقول ما معناه، إنه ربما يكون الهدف من وراء إصدار هذا القرار بقانون، هو إعطاء الدولة، القدرة على التعامل مع رؤساء أجهزة رقابية، لا تستطيع هى، كدولة، أن تتعاون معهم، على نحو ما يجب.
ولأن جهاز المحاسبات واحد من الأجهزة الرقابية فى الدولة، ولأن كلاماً كثيراً يدور حول المستشار جنينة، منذ فترة، من حيث قدرة الدولة على التعامل معه، فإن المجىء برئيس جديد للجهاز، ربما يكون هو المقصود من وراء القرار بقانون إياه.
وليس مقصوداً بقدرة الدولة على التعامل مع رئيس المحاسبات مثلاً، أن نعطيها الحق فى أن تؤثر على عمله، أو أن توجه خطواته، وهو يراقب الأداء العام فى مؤسسات الدولة.. لا.. ليس هذا مقصوداً، وإنما القصد كله، أن أى موظف عام فى الدولة، لابد أن يعمل فى بيئة عامة صديقة، وأكاد أقول بيئة مرحبة، فإذا استشعر هو غير ذلك، فأظن أن انصرافه من تلقاء نفسه، يظل هو الحل الأسلم، ويظل هو التصرف الحكيم الذى يعفيه، ويعفى غيره، من حرج بلا لزوم.
أقول هذا، لأنى قرأت كلاماً فى السياق ذاته، للمستشار جنينة، يقول ما معناه، إن قانون الجهاز لا يجيز عزله، إلا بموافقته، وإن الطريقة الوحيدة لانصرافه عن منصبه، هى أن يتقدم باستقالته، فيوافق الرئيس على الاستقالة.. وهو كلام صحيح.
ولابد أن الرجل يعرف أنه ليس الحالة الوحيدة فى هذا الاتجاه.. فموقع محافظ البنك المركزى يتمتع بهذه الحماية الذاتية نفسها.. وكذلك موقع شيخ الأزهر.. وهكذا.. وهكذا.. ولا أحد بالطبع ضد وجود حماية من هذا النوع، تجعل الشخص الموجود فى مثل هذه المناصب قادراً على العمل باستقلالية كاملة.. لا أحد.
ولكن.. يبقى أن يكون شاغل أى منصب منها، على قدر من الحكمة، تجعله يتصرف بما يحفظ كرامته، إذا جاز التعبير، ويحفظ كرامة الدولة فى الوقت نفسه، فيبادر متطوعاً، وبلباقة، إلى الانصراف، إذا ما أحس بأنه، بلغة الدبلوماسية بين الدول، «شخص غير مرغوب فيه»!
إن الهدف من وجود المستشار جنينة، على سبيل المثال، فى منصبه، ليس هو المنصب فى حد ذاته، وإنما الهدف هو رغبته فى تقديم خدمة للبلد بوجه عام، وبالتالى، فما الحل، إذا اكتشف هو، أو غيره ممن يماثلونه طبعاً، أن تحقيق هذا الهدف غير ممكن، وأن البيئة العامة المحيطة به غير صديقة، وأن «الكيميا» على الأقل، ليست فاعلة بينه وبين سائر رجال الدولة؟!
أظن أن المستشار جنينة أذكى من أن يفرض نفسه على موقع، وأظن أنه، وهو مستشار جليل، عنده من الحكمة ما يجعله يدرك أنه لا مبرر أبداً للرجل.. أى رجل.. أن يظل باقياً فى مكان لا يرحب به تمام الترحيب.. ولا يريده!