احتاج الصديق عصام تليمة وقتاً طويلاً ليصل إلى النتيجة التى وصل إليها إمامه حسن البنا قبل ستين عاماً ونيف، عندما داهمه اغتيال الخازندار صبيحة 22 مارس 1948، فقال قولته الشهيرة نادماً: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعدت بالجماعة إلى أيام المأثورات»، يقصد أيام الدعوة.. «البنا» كان يغتسل من الدماء، هل أصاب تليمة ما أصاب البنا من ندم أن خاض فى الدماء؟
نُقل عن تليمة أخيراً الكثير من فتاوى القتل واستحلال الدماء، وأنا أعرفه جيداً، عصام يتمثل فى خطوه قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الفرقان: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما».. سبحان الله.
سألت عصام ذات مرة: ما الذى غَيَّر قبلتك؟.. قال بما لم أقتنع، شاهدت فيديوهات الإخوان تقطر دماً، افترقنا إنسانياً، عصام هاله مقاطع الدماء المصنعة فى أقبية الإخوان، ولف على الدماء، وصار يحض على الثأر، ويحرض على قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، لا حول ولا قوة إلا بالله!!
وكنت أقف على حواف فتاوى عصام متعجباً، أنتظر يوماً يرى بعينيه تترى إخوانه فى الدماء، وأن يفيق من نوبة الثأر التى استولت عليه، وأن يخف إلى قول رسول الله: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ»، عليه أفضل الصلاة والسلام.
كنت أراه (قبلا) نقيضاً لأستاذه القرضاوى، وهو مَن كتب منفتحاً على الحلال نقيض الاستحلال، رافضاً ما تترى فيه معلمه وشيخه لأسباب ائتمننى عليها، سراً بين الأصدقاء، كان عصام منيراً فى إطلالاته الفضائية النادرة، كان يهرع إلى نافذتى الفضائية يطل بها على العالم، يقول قولاً سديداً، ويتركنى طالباً الدعاء لابنته الصغيرة التى هى جرح قلبه النازف، يتمنى شفاءها من الله.
وبعد أن تبين عصام الخيط الأبيض من الأسود فى فجر الجماعة، ووضع يديه على بيت الداء، وخرج لا يلوى على شىء يقول فيهم ما سبق أن سمعه منا كثيراً وما كان لنا بمصدق، قال عصام أخيراً ما نصه: أفهم أن قيادات الإخوان بعد انتكاساتها المتكررة منذ ثورة يناير، أن يمتثلوا قول رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، لأحد الصحابة: «أَمسِك عليك لسانك، وليَسَعْك بيتك، وابْكِ على خطيئتك»، فهل يمسك قادة الإخوان عليهم ألسنتهم، ويسعهم بيتهم الإخوانى، ويبكون على خطيئتهم، بل خطاياهم التى تحتاج إلى أن يسكبوا بدل الدمع منها دماً؟!
إلى عصام الصديق الذى لطالما دعوت لابنته بالشفاء مخلصاً ولاأزال.. هلا راجعت أنت نفسك؟.. هل تُبْتَ عن فتاوى سفك الدماء؟.. هل عدت من حيث أتيت، إلى المنبر تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، أن تهجر مقعدك فى فضائيات القتل، وتمتثل إلى قول المصطفى، عليه الصلاة والسلام، كما أوردته نصاً: «أمسِك عليك لسانك، وليَسَعْك بيتك، وابْكِ على خطيئتك».
عصام راجع نفسك، واسكب من مآقيك بدلا من الدموع دماً، أخشى أنَّ مَن سمعك محرضاً اتبعك ثأراً، وسفك الدماء، ولا تكن ممن نزل فيهم قول الله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ» {الصف:2- 3}، وفى التفسير قال الإمام الطبرى: «لِمَ تقولون القول الذى لا تصدقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة لأقوالكم»، كبر مقتا: «عظم مقتاً وكرهاً عند ربكم قولكم ما لا تفعلون. والمقت شدة الكراهة».