x

ياسر أيوب العدل والشريف والبرد والصداع ياسر أيوب السبت 11-07-2015 21:37


فى واحدة من رباعياته الرائعة والشهيرة.. قال الراحل صلاح جاهين: يا حزين يا قمقم تحت بحر الضياع.. حزين أنا زيك وإيه مستطاع.. الحزن مابقاش ليه جلال يا جدع.. الحزن زى البرد زى الصداع.. ولا أظن أن عم جاهين سيغضب أو يرفض أن أستبدل الآن كلمة الحزن بكلمة الموت..

فتصبح الرباعية بعد التعديل أن الموت ما بقاش ليه جلال يا جدع.. الموت زى البرد زى الصداع.. ودافعى لهذا التغيير هو ما قرأته أو سمعته وشاهدته بعد رحيل الفنان الكبير سامى العدل.. الرحيل هنا هو الغياب الدائم، هو الوداع الأبدى، هو الموت الذى هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى حياتنا كلنا.. حدث جلل أياً كانت ديانتك وثقافتك ومكانتك وثروتك وطبيعتك.. فكلنا فى النهاية سنموت.. والمفترض أن نتوقف بكثير جدا من الصمت والاحترام أمام موت أى أحد سواء نعرفه أو لا نعرفه.. نحبه أو لا نحبه. وهو أمر لا يحتاج إلى قوانين ونصوص أو تعليمات وأوامر من أى أحد.. لكن أن يموت سامى العدل فتجد هواة الاستظراف يجرون إلى مواقعهم أو صفحاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعى ليستعرضوا للمرة الألف قدرتهم الجهنمية على اختراع النكات ثقيلة الظل التى لا يضحك عليها أحد غيرهم.. فيكتب واحد من هؤلاء أنه حزين لأن سامى العدل عاشق الزمالك مات قبل أن يفرح بفوز الزمالك بالدورى..

ويشاركه كثيرون هذه الحسرة المصطنعة والزائفة.. وتتوالى التعليقات المشابهة لهذا السخف من آخرين وكأننا لسنا أمام رحيل إنسان وحدث يستحق الحزن.. فأنا أعرف أن سامى العدل كان عاشقا حقيقيا للزمالك، وقبل كل ذلك كان رجلا وإنسانا راقيا شديد الشهامة والنبل والاحترام والصدق.. لكننى فى مشهد وداع سامى العدل لا أقبل أن أحيل عشقه للزمالك إلى مجرد نكتة أو استعراض رخيص لخفة الدم..

وقد باتت مثل تلك التعليقات والنكات السخيفة مشهدا مصريا جماعيا غير مفهوم وغير مقبول أيضا.. فالموت فى بلادنا فقد هيبته وجلاله.. وتكرر نفس الأمر مع رحيل الفنان الجميل عمر الشريف.. هناك فى الغرب تعاملوا مع هذا الرحيل بمنتهى الرقة والنبل.. فحرص كثيرون جدا على وداع الشريف بكلمات طيبة وحكايات جميلة، واكتفى بعضهم بمجرد وردة أو شمعة.. وعندنا أيضا بعض من قاموا بذلك مقابل أغلبية كانت ملتزمة بهذا المنهج المصرى الجديد والقبيح.. فكان الحديث عن عيوب الشريف وأخطائه وضعفه وألزهايمر وفاتن حمامة والولع الدائم بقذف الجميع بالطوب والحجارة طوال الوقت، سواء الأحياء أو الغائبون.. بل إن استعراضاتنا تزداد مع الذين غابوا ولم يعودوا يملكون حق الرد والتوضيح والشرح.. خلل جماعى.. اجتماعى ونفسى وإنسانى.. يحتاج لكثير من المراجعة والمواجهة أيضاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية