لم يبالغ نهاد المشنوق، وزير داخلية لبنان، حين قال بالبنط العريض، على الصفحة الأولى من الشرق الأوسط، الصادرة فى لندن صباح الخميس، إن تحالفا مصريا سعوديا يظل هو الأقدر على ردع المد الإيرانى فى المنطقة، لأن حلفاً كهذا هو الأقوى من نوعه أولا، ولأن مداً كهذا هو مخالف لحقائق التاريخ وحقائق الجغرافيا ثانيا.
ولا أظن أن ما يقول به المشنوق يغيب عن فطنة أهل الحكم، سواء فى القاهرة أو فى الرياض، كما أظن أن الرهان على ثلاث عواصم عربية، على وجه التحديد، لصد أى خطر عنا، كعرب، كان رهاناً فى مكانه فى كل وقت.. وقد كانت العواصم الثلاثة هى: القاهرة، الرياض، دمشق.
ولذلك تمنيت كثيرا لو انتبه كل عربى، ثم كل سورى، إلى أن ما تتعرض له العاصمة السورية من محن، على مدى أربع سنوات وأكثر، ثم ما تتعرض له الدولة السورية العريقة فى الأساس من ضربات، إنما مرجعه إلى إدراك من جانب خصومنا لمعنى أن تكون العواصم الثلاثة معا، وأن تكون حية، وأن تكون فاعلة، وأن تكون مدركة لحجم الأخطار على أمتها من حولها.
وقد كانت العلاقة بين القاهرة والرياض موضع تربص، طول الوقت، خصوصا ممن يعرفون تماما معنى أن تتكلم العاصمتان لغة واحدة!
ولأن الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة، كان داهية، ولأن مكانته عند أبناء بلده، كمكانة مترنيخ عند الألمان، فلقد أدرك ذلك مبكرا جدا، وهو لم يدركه وفقط، ولكنه راح يجسده فى شيئين اثنين، أولهما أنه أوصى أولاده جميعا بأن تكون عيونهم فى كل لحظة على مصر، وألا تغيب عنها، وثانيهما أن زيارته الوحيدة خارج أرضة كانت إلى مصر وحدها دون سائر الدول!
والحق أن أبناءه من أول سعود، الذى جاء بعده مباشرة، إلى سلمان الذى يحكمه من يناير الماضى، كانوا أخلص الناس لوصيته، وكان أن رأينا الملك عبدالله، يرحمه الله، يتخذ موقفاً معنا، فيما بعد ثورة 30 يونيو، لم يحدث أن اتخذه أى حاكم، بامتداد العالم إزاءنا.. وإذا كان لنا أن نصف موقف الملك الراحل بشىء، فهذا الشىء هو أن ذلك الموقف منه كان «موقف رجولة» بكل المعانى، وكان موقفاً من رجل رأى ببصيرة لديه أن ما كان يراد بمصر، وقتها، ولايزال، يراد هو نفسه بالسعودية ذاتها.
وإلى جوار عبدالله، وقف رجل آخر اسمه سعود الفيصل، وكان أن شارك مليكه فى كل خطوة خطاها، وكان أن طار إلى باريس، فى الصيف قبل الماضى، فراحت مواقف عواصم العالم المهمة تتغير أحوالها وهى تتعامل مع مصر، وتتبدل، وكان فى شجاعته، وصدق رؤيته، وأصالة عروبته يذكرنا بأبيه الراحل الملك فيصل، إذا لا يغيب عن كل مصرى، ولا عن كل عربى، وقفته الجسورة فى أثناء حرب أكتوبر 1973 المجيدة.
كان سعود حفيداً.. وكان فيصل أباً.. وكان عبدالعزيز جداً لسعود الأمير.. وكان الثلاثة رجالاً لا ككل الرجال.