هل يجوز للخصم أن يكون قاضياً ضد خصمه، وأن ينظر الدعوى التى تتضمن موضوع خصومته؟...الجواب: كلا بالطبع؛ لأن جمعه بين صفة الخصم والحَكَم يتناقض مع أبسط مقتضيات العدالة حتى لو كان صاحب حق واضح لا مراء فيه!! وهذا هو ما استقرَّ عليه سائر التشريعات المعاصرة بما فيها التشريع المصرى الذى ذهب إلى ما هو أبعد حين نصَّ فى المادة 146 من قانون المرافعات على أن القاضى يكون غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها، ولو لم يرده أحد الخصوم، وذلك فى حالات معينة، من بينها إذا كان له أو لزوجه أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة خصومة قائمة مع أحد أطرافها! غير أن الخصومة التى يقصدها المشرع هنا ليست هى للأسف خصومة العقيدة، وبالتالى لا يمتنع على القاضى أن ينظر دعوى ضد متهم بازدراء العقيدة التى ينتمى القاضى نفسه إليها!! رغم أن الخصومة العقيدية أشد وأنكى على النفس من خصومة تدور حول متاع الدنيا وأعراضها الزائلة بالغاً ما بلغ هذا المتاع من الضخامة!! وإذا كانت الحكمة فى النص على عدم صلاحية القاضى للنظر فى أى دعوى بينه وبين أحد أطرافها خصومة من خصومات الدنيا، إذا كانت الحكمة فى ذلك أنه فى هذه الحالة سيفتقد الحيدة والتجرد، فكيف إذن سيكون صالحاً للنظر فى دعوى معينة، بينه وبين أحد أطرافها ما هو أثمن من متاع الدنيا بأكمله؟ وأعنى بها خصومة العقيدة! وهل سيكون فى مثل هذه الحالة قاضياً عادلاً، أم منتقماً يقتص بيده ممن قدمته له النيابة متهماً بازدراء العقيدة التى نشأ عليها وآمن بأنها الحق المطلق الذى لا يأتيه الباطل من قبل ومن بعد؟؟ وسواء كانت هذه الديانة هى الإسلام أو المسيحية، (هاتان هما الديانتان الوحيدتان اللتان ينتمى إليهما كل رجال القضاء فى مصر)، سواء كانت هذه أو تلك فنحن فى كلتا الحالتين سوف نكون إزاء قاض يحمل من أسباب التحيز أكثر مما يحمل من أسباب الحيدة والتجرد! هل يعنى هذا أن القاضى الذى يعهد إليه بنظر دعاوى ازدراء الأديان لا بد أن يكون ملحداً حتى يكون صالحاً لنظر مثل هذه النوعية من القضايا؟ الجواب: كلا بالطبع؛ لأن القاضى الملحد ـ إن وجد ـ سوف ينحاز إلى جانب الإلحاد بمقدار ما ينحاز القاضى المؤمن إلى جانب الإيمان!! وسوف يكون لديه بدوره من أسباب التحيز أكثر مما لديه من أسباب الحيدة والتجرد!! ما الحل إذن؟؟.. الحل فى رأيى أن نسلك واحداً من سبيلين، أولهما أن يلغى نص المادة 98 فقرة (و) من قانون العقوبات، وأن نتعامل مع ما درجنا على اعتباره ازدراء للأديان على أنه رأى ضال لا يستوجب العقاب بل يستوجب فحسب الرد عليه بالرأى الصواب! فإذا لم يكن بد من إبقاء المادة على ما هى عليه (رغم شبهة عدم دستوريتها لمخالفتها نص المادتين: 65 و67 من الدستور الحالى)، فإنه يتعين علينا حينئذ أن نأخذ بنظام المحلفين فى قضايا ازدراء الأديان، وأن تشكل هيئة دائمة للمحلفين من المفكرين المعتدلين الذين عرفوا بسماحتهم، والذين لم يؤثر عنهم التعصب المقيت ضد ـ أو مع ـ ديانة بعينها، تكون مهمتها الأساسية أن تقرر إذا كان ما هو مسند إلى المتهم يمثل ازدراء بالفعل لديانة معينة، أو ازدراء لمبدأ الإيمان فى عمومه أم لا، على أن يلتزم القاضى بالحكم طبقاً لما ينتهى إليه رأى المحلفين.