لم تكن سوريا أقرب إلى التفتت والتقسيم مما هي عليه اليوم، إذ تفيد مؤشرات عديدة بتراجع قدرة النظام على استخدام إمكانياته العسكرية، وزيادة حدة هجمات «داعش» وقوى المعارضة الدينية والمدنية، وتكرس النزعات الانفصالية، وسيادة الطابع القومى وهيمنة البعد الطائفى على مجمل تفاعلات الصراع.
وبموازاة ذلك، تزيد حدة التدخلات الخارجية بدرجة كبيرة، حيث أعلنت تركيا استخدام سلاح الجو التابع لها لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية في الداخل السورى، في وقت تقاتل فيه قوات «حزب الله» اللبنانى في منطقة القلمون ومناطق أخرى، كما تظهر القدرات العسكرية الإيرانية بوضوح.
لا تتوقف التمويلات القادمة من دول إقليمية وأجنبية على قوى المعارضة المسلحة، وبينها «داعش» و«جبهة النصرة» وجماعات جهادية أخرى، كما تبذل واشنطن وعدد من العواصم الغربية جهوداً مكثفة على صعيد الدعم المادى والسياسى واللوجيستى للعناصر المقاتلة.
لقد باتت سوريا ملعباً كبيراً مفتوحاً، يضيق باللاعبين المتنافسين، في حرب مفتوحة شرسة، وقودها الشعب السورى، وضحيتها سوريا الكيان، والحضارة، والدولة، والمجتمع.
إن تفتت سوريا الذي بات قريباً أكثر من أي وقت مضى، يمثل ضرراً بالغاً على مصر، وهو ضرر يجب دفعه أو محاولة دفعه حتى لو كانت الظروف صعبة، والضغوط كبيرة، والموارد شحيحة.
إن الدفاع عن سوريا موحدة، وعن الدولة السورية، واجب على الدولة الوطنية المصرية، بغض النظر عن توازنات القوى أو تقاطعات المصالح.
إن التفريط في وحدة سوريا، وحكومتها المركزية، ودولتها ذات السيادة، يضر بالمصلحة الوطنية المصرية، وسيكون التقاعس عن مساندة مفهوم الدولة الواحدة في سوريا نكوصاً وتهاوناً مريعاً.
لقد لعبت دول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات والسعودية والكويت، أدواراً بالغة الأهمية في مساندة المصلحة الوطنية المصرية، اعتباراً من 30 يونيو وحتى يومنا هذا.
لم يكن من الممكن أن تنتصر الدولة المصرية على فاشية «الإخوان» وتآمرهم من دون دعم دول الخليج العربية، باستثناء قطر طبعاً، لكن ذلك لا يمنع من محاولة الوصول إلى صيغة تستند إلى مشتركات ونقاط تفاهم رئيسة بين الجانبين المصرى والخليجى في خصوص الشأن السورى.
لا يجب أن تدعم مصر رئيساً يقتل شعبه، أو نظاماً قمعياً فاسداً، ولا يجب أن تدعم الإرهابيين، ولا يجب أن توافق على تقسيم سوريا وتفتيتها إلى كيانات صغيرة طائفية وقومية وأيديولوجية متقاتلة، ولا يجب أن تخسر حلفاءها الخليجيين، أو تساعد الإيرانيين في تكريس نفوذهم في العالم العربى، أو تغطى نشاط «حزب الله» بطائفيته وميليشياويته، أو تسمح بتنفيذ خطة التقسيم والتفتيت الذي بات واضحاً أنها موجودة وأنها فعالة.
ليست تلك كل محددات وقيود الفعل السياسى المصرى المتوقع إزاء الشأن السورى، إذ ثمة محددات وقيود أخرى، لعل أهمها تلك الخاصة بموازنة العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب، وروسيا من جانب آخر.
من الصعب جداً أن تنشغل القيادة السياسية بموضوع خطير ومحورى مثل هذا، وتركز تماماً فيه بغرض تحقيق إنجاز واختراق، في ظل جملة التحديات العصيبة التي تواجهها البلاد. لكن تفتيت سوريا لا يقل خطراً عن أعظم تلك التحديات وأكثرها ضراوة.
إن سوريا هي البلد الذي حفظ السر مع مصر على مر التاريخ. وقد قاتل البلدان وانتصرا معاً على الصليبيين، والتتار، والإسرائيليين، وكانا يوماً ما دولة واحدة.
لا يسعى هذا السرد إلى التذكير بأحداث تاريخية، ولا يستهدف إثارة الانطباع ومس الوجدان، ولكن تلك الوقائع هي القادرة على أن تشرح أهمية سوريا لمصر، وأهمية البلدين، معاً، للوطن العربى.
يجب أن يعين الرئيس مبعوثاً مصرياً للقضية السورية، ويجب أن تكون مهمة الجهود المصرية في هذا الصدد: منع تفتت سوريا، والحفاظ على الدولة الوطنية، ووقف القتل، وإيجاد حل مبدع، يوجد نظاماً جديداً، لا يسمح بتقسيم البلد، ويوقف الاحتراب الأهلى.