بداية فإننى لم أشرُف بلقاء أو معرفة المستشار محمد يسرى رئيس إحدى دوائر محكمة الجنايات الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعى بنشر صورته ممسكا بـ«مسدسه»، مهددا من يحاول الاقتراب منه بـ«شطب اسمه من السجلات»، إلا أننى شرُفت بـ«مزاملة» الكاتب الصحفى المبدع الشاب أشرف مفيد الذي أرجو أن يكون مازال متمسكا بموروثنا الثقافى «الخلاف في الرأى لا يفسد للود قضية»- كما عهدته خلال ما يقرب من الـ24 عاما الأخيرة من مدة عملى بـ«الأهرام»- دون أن يجرفه سيل «الخلاف في الرأى يفسد للود مليون قضية»..!
في مقاله الأسبوعى بـ«المصرى اليوم» أعرب مفيد عن صدمته وانزعاجه من إقدام المستشار يسرى على هذه الخطوة ومن صمت مؤسسة القضاء الشامخ تجاهها باعتبارها «اعتداء صارخا على سيادة القانون» من وجهة نظره «وهى كذلك بالفعل»..!
واعتبر مفيد أن هذه الخطوة تمثل إهانة للدولة وعدم الاعتراف بالقانون، محذرا من أننا سنصبح أمام دولة هشة غير قادرة على حماية أرواح مواطنيها -«وأتفق معه أيضا في ذلك»- غير أن السؤال من الذي بدأ طريق الانحدار إلى هذه الهوة؟!
واقع الأمر أن المستشار يسرى لم يكن صاحب السبق في هذا الأمر، بل إن الدولة والحكومة نفسها هي أول من أقر بذلك الافتراض الصادم عندما سارعت بمباركة إقدام ما يسمى بـ«اتحاد قبائل سيناء» على حمل السلاح.
وقبل أن ندخل إلى «سوق المزايدات» فإننى لا أشكك في وطنية أبناء سيناء وأقر بأن لهذه المساحة العزيزة من أرضنا طبيعة جغرافية خاصة لا يعلم دروبها سوى أبنائها وأن حمل السلاح فيها أمر واقع بل يمثل «موروثا ثقافيا» لدى هؤلاء الأبناء.
إذا كنا قد خضعنا للأمر الواقع وقت ثورة يناير وتحديدا بدءًا من يوم 28 وقت غياب الأمن واختفائه وأقررنا بوجود ما يسمى وقتها بـ«اللجان الشعبية»- التي كادت أن تتحول في بعض المناطق بل تحول بعضها بالفعل- إلى عصابات مسلحة تهدد أمن المواطنين، فإننا الآن نعيش واقعا مغايرا تماما فلدينا مؤسسة عسكرية وطنية «القوات المسلحة» التي لا يبخل أحد من أفرادها بالتضحية بحياته من أجل مصر، ولدينا أيضا مؤسسة وطنية «الشرطة» التي يسقط كل يوم واحد من أبنائها شهيدا في مواجهة الإرهاب.
إذا كان استشهاد ثلاثة من شباب القضاة زملاء المستشار يسرى هو الذي دفعه إلى الإقدام على خطوته هذه، فإن تجنب هذا المصير لا يتم بحمل السلاح الشخصى وإنما من خلال تطهير مرافق ومؤسسات الدولة من الإرهابيين والمتواكلين والمهملين.
العزيز مفيد.. لا تلُم المستشار يسرى وحده على فعلته هذه- باعتباره ابنا لهذه الدولة- بل ألقِ بكل اللوم على الدولة والحكومة التي سارعت بإقرار رضائها عن «عجزها» عن حماية مواطنيها.. وأرجو ألا يفسد ذلك لـ«الود» أي قضية.