x

وحيد عبد المجيد أزمة الوفد.. وأحزاب أخرى أيضاً: الإصلاح الآن وحيد عبد المجيد الخميس 28-05-2015 21:55


لا تعود أزمات الأحزاب بوجه عام إلى عوامل محض داخلية، بل ترجع أيضاً إلى البيئة السياسية والقانونية التى تعمل فى ظلها وتتأثر بها. فكلما كانت هذه البيئة أكثر انفتاحاً وتنافسية وحرية، قلت الصراعات داخل الأحزاب. والعكس صحيح بالضرورة، لأن الطاقة الموجودة فى الحزب تصبح سلبية وتُنتج صراعاً داخلياً حين تعوق البيئة السياسية – القانونية تصريف هذه الطاقة فى مسارها الطبيعى، وهو التنافس مع الأحزاب الأخرى.

وتنطبق هذه القاعدة العامة على مصر منذ أكثر من قرن، وليس فقط الآن. ومع ذلك تظل الحاجة إلى إصلاحات داخلية فورية فى الأحزاب الأساسية ضرورة قصوى بالنسبة إلى مستقبل الحياة السياسية.

ورغم أن الأزمات الداخلية تضرب بدرجات متفاوتة عدداً متزايداً من الأحزاب المعروفة، أو تكمن داخل بعضها وتبدو مرشحة للانفجار فى وقت قريب، حظيت أزمة حزب الوفد باهتمام خاص على المستوى العام. وازداد هذا الاهتمام بعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع قادة طرفى أزمة حزب الوفد فى 13 مايو الحالى لحثهما على إيجاد حل لها.

ولذلك، ونظراً لتاريخ حزب الوفد، ربما يكون فى إمكانه أن يقدم «نموذجاً» إصلاحيا لمعالجة أزمات الأحزاب المصرية. فالإصلاح هو مفتاح معالجة هذه الأزمات.

وليس ممكناً، والحال هكذا، الشروع فى معالجة جدية لأزمة حزب الوفد بدون توفر إرادة الإصلاح لدى الطرفين المتصارعين داخله، حتى لا يتحول الخلاف بينهما إلى صراع على الحزب نفسه. فعندما يتفاقم أى خلاف حزبى يتحول إلى صراع. وحين يطول هذا الصراع ولا تتوفر إرادة لحله، يتحول إلى صدام أو إلى «صراع صفرى» يسعى فيه كل طرف إلى القضاء على الآخر.

وهذا هو ما ينبغى على العقلاء فى الطرفين المتصارعين فى الوفد تجنبه، والعمل لوقف التصعيد، الذى استؤنف بسرعة قياسية عقب «هدنة» لحظية أعقبت لقاء الرئيس السيسى مع قادتهما. فسرعان ما عادت أجواء التصعيد التى تعلو فيها أصوات الاتهامات المتبادلة، وينخفض صوت الحوار والتفاهم، ويضعف الميل إلى التوافق، ويكون الحزب نفسه هو الضحية الأولى.

ولحسن الحظ، مازالت هناك مؤشرات تفيد بأنه يوجد فى كلا الطرفين من يسعون إلى معالجة الأزمة. ومن هذه المؤشرات رسالة تلقيتُها من الأستاذ عصام شيحة،أبرز قادة «تيار الإصلاح»، المعارض لرئيس حزب الوفد. تعليقاً على مقالى المنشور فى «المصرى اليوم» فى 14 مايو الحالى تحت عنوان «أزمة الوفد.. من الفردية إلى الشللية».

وتدل هذه الرسالة على توفر إرادة الإصلاح المؤسسى لديه وآخرين فى تياره، كما فى أوساط بعض رموز التيار المؤيد لرئيس الحزب د. السيد البدوى، فهى تؤكد أهمية الإصلاح المؤسسى الذى طرحتُه فى المقال المشار إليه، ولا يظهر فيها اعتراض على قيام مجموعة محايدة من محبى الوفد بدور فى هذا الإصلاح. غير أن مفهوم الشللية بدا غير مريح للأستاذ شيحة فى رسالته. ولذلك فهو يحتاج إلى تحرير منهجى لتوضيح دلالته والأخطار المترتبة على الحالة التى يعبر عنها.

فقد تبلور هذا المفهوم فى العلم الاجتماعى، تطويراً لمفاهيم أخرى، كان أهمها مفهوم هيمنة القلة «الأوليجاركية» الذى طرحه عالم الاجتماع الإيطالى روبرتو ميتشلز، فى مرحلة مبكرة من تاريخ الأحزاب فى بداية القرن العشرين. فقد وصل ميتشلز، عبر دراسة تفصيلية لمجموعة من الأحزاب الأوروبية، إلى استنتاج أن الحزب السياسى يقع عادة فى قبضة نخبة محدودة تهيمن عليه. ولكنه بالغ فى حتمية هذه الهيمنة، الأمر الذى أضعف نظريته.

وقام العالم الفرنسى، الأكثر شهرة، موريس ديفرجيه بمراجعة مفهوم «الأوليجاركية» هذا، وحرَّره من بعض المبالغات التى أضفاها عليه ميتشلز، ولكن دون أن يتجاوزه. غير أن إسهامات علماء آخرين مثل ليبست وديلدر وروبرت ودال، وغيرهم ممن شككوا فى جدوى مفهوم «الأوليجاركية»، فتحت بشكل غير مباشر المجال أمام استخدام مفهوم «الشلة» فى تحليل الصراعات داخل الأحزاب، خاصة فى الحالات التى يطول فيها الصراع دون أن يصل إلى حل أو يؤدى إلى إقصاء مجموعة أو انشقاقها.

وأصبح وجود شلل فى داخل بعض الأحزاب ظاهرة رصدتها دراسات عدة، وأرجعتها إلى رفض مجموعات من قادة الحزب وأعضائه هيمنة رئيسه واعتماده على مجموعة ضيقة تحيط به. وتباينت خلفيات التكوينات الشللية من حزب إلى آخر، ولكن ما يجمعها هو أنها تمثل خطراً على أى حزب يُصاب بآفتها، كما هى حال حزب الوفد الآن.

ولذلك يتحمل العقلاء فى أوساط كل من طرفى الصراع فيه مسؤولية وضع حد للانجراف نحو تكريس الشللية داخله. ولكن المسؤولية الأولى تقع على عاتق رئيس الحزب، بدءاً بأن يرتفع فوق هذا الصراع ويقاوم ضغوط بعض أنصاره الذين يدفعونه إلى مواصلة الانخراط فيه، بدلاً من قيادة الجهود لحله. فمازال فى إمكانه مثلاً أن يبادر بتشكيل لجنة محايدة لمراجعة كشوف عضوية الجمعية العمومية للحزب بطريقة موضوعية هادئة ومتأنية تنزع فتيل الأزمة وتضع حداً للصراع، وتحديد فترة انتقالية تُجرى بعدها انتخابات حزبية من القاعدة إلى القمة.

وليت الأحزاب الأخرى التى تعانى أزمات صريحة أدت إلى استقالات شملت بعض قادتها الأساسيين، أو تتعايش مع أزمات مكتومة قابلة للانفجار فى أى لحظة، أن تشرع فى إصلاحات مؤسسية فورية، بدلا من محاولات ترحيل هذه الأزمات أو اللجوء إلى مسكنات مؤقتة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية