x

مي عزام السيسى.. الطيب والشرس والميكافيلى مي عزام الأربعاء 27-05-2015 21:35


أتابع مقالات الكاتب جهاد الخازن فى جريدة الحياة اللندنية، كتاباته متزنة ولها مرجعية معروفة، علاقاته قوية بدوائر صنع القرار فى الدول العربية وخاصة الخليجية وعلى رأسها السعودية، فى كتاباته عن مصر تستشعر ودا وتقديرا، استوقفنى فى حديثه مع «المصرى اليوم» دعوته للرئيس بأن يكون أكثر شراسة، وصف الخازن السيسى بأنه أعلى الرؤساء العرب ثقافة، صوته هامس، ذكى، لكنه يريد إرضاء الناس، ورضا الناس غاية لا تُدرك، والحكم يحتاج إلى شراسة، واستشهد بعبارة لميكافيلى: «من الأفضل أن تكون مرهوبا ومحبوبا، وعند الاختيار فالأفضل أن تكون مرهوبا»، وأضاف: أنا لا أريد أن يخاف الناس من السيسى، لكن لابد أن يُظهر قدرته على الأذى لمن يريد أذية البلاد، لكننى لم ألاحظ عنده هذه الشراسة.

تساءلت: هل مازالت أفكار ميكافيلى صالحة للاستشهاد بها فى عصر العولمة؟، حيث تآكلت سلطة الدولة وأصبح هناك معايير للحكم تراقب من قبل العالم الذى يعطى لنفسه الحق فى رفضها والتدخل لتغييرها من الداخل لو أمكن ومن الخارج لو استدعى الأمر. الحديث عن قدرات الحاكم المرهوب الجانب فى القرن الخامس عشر وأدواته التى يسيطر بها على شعبه لا يمكن تطبيقها الآن، الدول لم تعد قادرة على التحكم فى أدوات تأثير مثل مواقع التواصل الاجتماعى التى تحولت لبرلمان شعبى يراقب الحكومات ويضغط عليها ويسيّس الرأى العام.

نعود لتوصيف جهاد الخازن الذى يبدو مخالفا لرأى الإخوان والمتعاطفين معهم، فهؤلاء يصفون السيسى بالشراسة والدموية والميكافيلية، فهل السيسى شرس أم لين؟ وما هى الصفات المطلوبة فى هذه المرحلة؟ إرضاء الناس أم معارضتهم؟ الانصياع لإرادة الجماهير أم قهرهم؟

الإجابة تعود للسنوات الأخيرة التى حكم فيها الأسد العجوز دولته، فمبارك هبط بمقام الرئاسة، عجزه عن الحكم بسبب شيخوخته جعل مؤسسات الدولة تنقسم على نفسها، ويصبح لكل فريق فى الحكم رجاله فى مؤسسات الدولة، وتحول الأمر لصراعات أجنحة لبسط النفوذ والسيطرة، وانتهى الحال بانهيار هذا النظام الهش تحت مطرقة ثورة يناير.

صراع مؤسسات الدولة بات أكثر وضوحا بعد الثورة وانفراط حبات العقد، فلم تعد هناك قبضة تحكم سيطرتها على كل الخيوط، وظل الجيش المؤسسة الأكثر تجانسا وانقيادا لرئاسة محددة وموحدة، وهو ما يعرفه السيسى بحكم انتمائه لها وتمرسه فى دوائر الحكم، لذلك يضع كامل ثقته فى هذه المؤسسة التى لم تخترق، وهو ما يراه البعض ميلا لا يتسم بالعدالة.

البيروقراطية والفساد يأكلان الجهاز الإدارى للدولة، والإصلاح يحتاج سنوات، الخيار المتاح الآن هو الحفاظ على هذه المؤسسات واستقرارها، وبعد إتمام خارطة الطريق بالاستحقاق الأخير وهو الانتخابات البرلمانية، مهما كانت نتائجها، سيكون هناك فرصة لوضع معايير جديدة للدولة مستمدة من قيم الثورة الرافضة للفساد الإدارى والمحسوبية والبيروقراطية والمزايا التى كانت تمنح بقصد رشوة نواب الشعب وكبار موظفى الدولة.

يبدو السيسى سهلا، خفيض الصوت، متسامحا مع المتجاوز بل أحيانا مفرطا فى حقه، ولا يمكننى أن أحكم عليه،هل هذا تكتيك مرحلة أم استراتيجية حكم؟، ولكن فى مقابل التساهل فى حقه، فهو لم يتساهل مع من وصفهم بأعداء للوطن، تبدو خطواته بطيئة ومؤجلة، وكأن النظام القديم يعود للصدارة، لكن الحقيقة أننا نعيش فعلا فى معية نظام مبارك، فلم تسنح الفرصة للسيسى بوضع نظام جديد لحكمه ومعايير لاختيار أركان نظامه، فهو لم يَبن بعد دولة 3 يوليو التى لا يمكن أن تبعد كثيرا عن المعايير الدولية للحكم.

نجح السيسى فى السياسة الخارجية، تواصله الإيجابى مع أفريقيا، الانفتاح على العالم شرقا وغربا، الخروج من تحت عباءة التبعية الأمريكية، كلها مؤشرات إيجابية، ولكن لماذا لا نشعر بتغيرات مماثلة فى الداخل؟، ببساطة لأن المواطن رقم (1) فى معادلة التغيير، وهو ما تحدث عنه جهاد الخازن كنقيصة فى السيسى حين قال إنه يريد إرضاء الناس. الثورة لم تصل للشعب المصرى ولم تغير من سلوكه، فكيف نطلب من رئيس، مهما كانت قدراته، تغيير ما فى النفوس وهو ما لم يفعله الله (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية