x

سمير فريد «ديبان» الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية سمير فريد الثلاثاء 26-05-2015 21:42


فاز الفيلم الفرنسى الروائى «ديبان»، إخراج جاك أوديارد، بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان، حيث يندر فوز فيلم فرنسى فى مهرجان فرنسا الكبير. والفيلم ليس من التحف، ولكنه بالطبع فيلم جيد على المستويين الفنى والفكرى.

«ديبان» الفيلم الروائى الطويل السابع لمخرجه الذى أخرج أول أفلامه «انظر كيف يسقطون» عام 1994، ومن أهمها فيلم «نبى» الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان 2009، وكان بداية صعود ممثل الدور الأول طاهر رحيم، الذى يعتبر اليوم من كبار النجوم فى فرنسا وأوروبا.

مثل «نبى» يعبر «ديبان» عن المهاجرين فى باريس، وهى قضية من أهم القضايا التى تشغل العديد من الدول الأوروبية، وخاصة منذ بداية الثورات الشعبية ضد الأنظمة الديكتاتورية فى العالم العربى عام 2011. ولكن بينما يركز «نبى» على المهاجرين العرب، يركز «ديبان» على المهاجرين الآسيويين. وقد كتب أوديارد السيناريو مع نوى ديبرى وتوماس بيدجيان، وصوَّره للشاشة العريضة بالألوان إيبونين مومينسيكو، وألَّف موسيقاه نيكولاس جار.

السيناريو عن «ديبان» (أنتونيتاسان جيسيوتاهاسان) الذى كان من نمور التاميل فى الحرب الأهلية فى سريلانكا منذ صباه، ولكنه يترك القتال ويهاجر إلى فرنسا. ويعتبر الفيلم سيرة حياة أنتونيتاسيان على نحو ما، فقد كان من مقاتلى التاميل وهاجر إلى فرنسا عام 1993، وأصبح كاتباً وروائياً وصدرت روايته الأولى «جلوريا» عام 2001، وترجمت إلى الإنجليزية.

يبدأ الفيلم بداية بارعة قبل العناوين، حيث نرى حرق جثث القتلى أثناء الحرب الأهلية، و«ديبان» يتطلع إلى المنظر ويعصره الألم، ثم نتابع المرأة الشابة «يالين» (كالياسوارى سرينيفاسان) وهى تبحث فى لهفة بين خيام اللاجئين الفارين من الحرب عن صبية من دون أم ولا أب حتى تدَّعى أنها ابنتها، وتتمكن بذلك من دخول السفينة التى تقل المهاجرين، وتجد ضالتها فى «إيلال» (كلودين فيناسميتامبى)، وتلتقى مع «ديبان» فى الطابور الطويل، وتدَّعى أيضاً أنه زوجها ووالد «إيلال».

يستمد الفيلم قوته الدرامية من معالجة العلاقة بين هذه الشخصيات الثلاثة وهم يأملون بداية حياة جديدة فى باريس. فهذه أسرة أمام الجميع، ولكن الأب ليس أباً والأم ليست أماً والفتاة الصغيرة ليست ابنتهما، وإنما فرضت ظروفهم العصيبة هذا الموقف. ورغم أنهما زوجان أمام الآخرين، إلا أن كُلاً منهما يحترم آدمية الآخر ومشاعره، وحتى عندما يراها «ديبان» وهى تستحم عارية، ورغم الحرمان الذى يبدو واضحاً عليه، إلا أنه لا يقترب منها ولا يستغل ضعفها، وإنما ينتظر أن تنمو العلاقة بينهما على نحو تدريجى. وهذا تعبير عن ثقافة المجتمع الذى جاءا منه، والتى تبدو أيضاً فى المشهدين الوحيدين اللذين نخرج فيهما عن الزمن الحاضر لنرى «ديبان» يحلم بفيل ضخم يتجسد فى المشهدين.

إنها قصة من أجمل قصص الحب الرومانتيكية رغم أنها تدور فى أجواء معتمة، وأكثرها تعبيراً عن رؤية «أوديارد» الإنسانية لقضية المهاجرين، حيث يساند حصولهم على حقوقهم مثل العديد من الفنانين الفرنسيين الذين يعبرون عن فرنسا ذات التاريخ الطويل فى الدفاع عن الحريات. وساهم التعبير القوى المؤثر لممثلى الدورين الرئيسيين وإدارة المخرج لهما بأستاذية فى تجسيد تلك القصة، ورغم أن كليهما يمثل أول أدواره فى السينما.

من حرب إلى حرب

وجوهر الدراما أن «ديبان» يقرر الهجرة من سريلانكا رفضاً للحرب، ولكنه يجد نفسه فى حى المهاجرين الذى يعمل ويعيش فيه فى باريس فى حرب لا تقل ضراوة بين عصابات المهاجرين من أصول عربية وغير عربية، والتى تتاجر فى كل شىء ولا تتورع عن استخدام الأسلحة، فضلاً عن الاتجار بها. كما يعانى «ديبان» من أبناء عشيرته الذين يعتبرونه خائناً لأنه يرفض التعاون معهم، والعودة إلى القتال. وهذه الحرب فى حى المهاجرين تتم فى غياب تام للدولة، وكأنه حى فى مدينة أخرى غير باريس، فلا يوجد شرطى واحد يظهر أثناء المعارك لا فى الليل ولا فى النهار. ويعبر «أوديارد» بذلك عن موقف نقدى لاذع تجاه الدولة الفرنسية التى تبدو وكأن لسان حالها: دعهم يقتلوا بعضهم البعض.

ينجو «ديبان» و«يالين» من القتل فى إحدى المعارك بما يشبه المعجزة. ونراهما فى المشهد الأخير مع «إيلال» فى لندن، و«ديبان» يحمل طفله الأول من «يالين»، وذلك فى نهاية يستجمع فيها «أوديارد» كل إيمانه بالإنسان رغم الفساد والعنف، حيث تصبح الأسرة حقيقية. وكانت «يالين» منذ البداية تريد الهجرة إلى لندن ولكن «ديبان» أقنعها بالهجرة إلى باريس.

وهذا الموقف النقدى تجاه الدولة الفرنسية، وبغض النظر عن أن الفيلم ليس من التحف التى تستحق الفوز بالسعفة الذهبية، فإن فوزه بها يؤكد مدى الحرية التى يتمتع بها الفنان فى فرنسا، أو مدى إمكانية نجاحه فى انتزاع حريته.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية